تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس فبأي آلاء ربكما تكذبان)
قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: ٣٣ - ٣٤].
قوله: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ أي: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السماوات والأرض فتعجزوا ربكم بخروجكم عن قهره ومحل سلطانه ومملكته حتى لا يقدر عليكم فانفذوا، وإن كنتم تستطيعون الخروج عن المملكة وهي السماوات والأرض بحيث تعجزوني فاخرجوا.
((فَانفُذُوا)) أي: فجوزوا واخرجوا وهذا تحدٍ.
((لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)) أي: بقوة وقهر وغلبة، وأنى لكم هذا السلطان وهذه القوة وهذا القهر الذي يخرجكم من ملك الله سبحانه وتعالى إلى غيره؟! ومثل هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ [العنكبوت: ٢٢] أي: لن تخيفوه ولن تعجزوه.
ويقال معنى الآية: إن استطعتم أن تعملوا ما في السماوات والأرض فاعملوه ولن تعملوه إلا بسلطان، يعني: ببينة من الله تعالى.
والمعنى الأول أظهر؛ لأنه لما ذكر في الآيات الأولى أنه لا محالة مجاز للعباد عقبه بقوله: ((إِنِ اسْتَطَعْتُمْ)) إلى آخره، لبيان أنهم لا يقدرون على الخلاص من جزائه وعقابه إذا أراده الله سبحانه وتعالى، فالآية التي قبلها ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ﴾ أي: سنقصد إلى حسابكم، ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) أي: إن استطعتم أن تهربوا من حسابي الذي سبق ذكره آنفاً، وإن استطعتم أن تعجزوني وتهربوا وتخرجوا من ملكي فاخرجوا.
((لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)) ووأنّى لكم هذا السلطان؟! أنّى لكم هذه القدرة وهذه القوة التي تخرجكم من ملكوتي كي تعجزوني؟! ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) أي: بالتسوية بين جميعكم؛ لأن جميعكم لا يقدرون على خلاف أمر أراده الله بكم.
وقال القاضي: أي: من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة، ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)).