تفسير قوله تعالى: (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن فبأي آلاء ربكما تكذبان)
قال تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: ٢٩ - ٣٠].
قوله: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، هذا إخبار عن غناه عما سواه، وامتداد لمعاني ما مضى؛ لأنه إذا كان: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾، فإذا كان هو الباقي سبحانه وتعالى وهو ذو الجلال والإكرام فإنه مستحق لأن يعبد ويجلَّ ويعظم ولا يلحد ولا يكفر به، ثم إنكم لا غنى لكم عن الله طرفة عين، ولا تستطيعون الاستغناء عن الله، بل أنتم فقراء إلى الله فقراً ذاتياً ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: ١٥]، فلذلك أتبع ذلك بقوله: ((يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) وهذا إخبار عن غنى الله سبحانه وتعالى عما سواه، وافتقار الخلائق إليه في جميع الأشياء، فكلهم يسألون الله سبحانه وتعالى سواء بلسان الحال أو بلسان المقال، والله سبحانه وتعالى غني عنهم وهم الفقراء إليه بدليل أنهم يسألونه: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾.
قال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير: قوله تعالى: ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)) من شأنه أن يجيب داعياً، أو يعطي سائلاً، أو يفك عانياً، أو يشفي سقيماً.
وقال مجاهد: كل يوم هو يجيب داعياً، ويكشف كرباً، ويجيب مضطراً، ويغفر ذنباً.
وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض، يحيي حياً، ويميت ميتاً، ويربي صغيراً، ويفك أسيراً، وهو منتهى حاجات الصالحين وطريقهم، ومنتهى شكواهم.
وعن صهيب بن جبلة الفزاري قال: إن ربكم كل يوم هو في شأن، فيعتق رقاباً، ويعطي رغاباً، ويقسم عقاباً.
وأقوال المفسرين عموماً تعود إلى هذه المعاني وسنزيدها إن شاء الله تعالى إيضاحاً.
يقول القاسمي: ((يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) أي: يدعونه ويرغبون إليه ويرجون رحمته لفقرهم الذاتي وغناه المطلق.
((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)) أي: كل وقت يحدث أموراً، ويجدد أحوالاً، كما قال الحسين بن الفضل: هو سوق المقادير إلى المواقيت؛ ولذلك فإن هذه الآية من الآيات التي يستدل بها في مسألة القدر في التقدير اليومي، ومسألة القدر هي سدس الإيمان، فالإيمان ستة أسداس، وهي: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه لما قال لابنه: إنك مهما فعلت، فإذا لقيت الله دون أن تؤمن بالقدر كأنك ما فعلت شيئاً، لا تنجو من النار حتى تؤمن بالقدر.