معاني اسمي الله عز وجل (الظاهر والباطن)
قال تعالى: ﴿وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣].
الظهر لغة: خلاف البطن، والظاهر: خلاف الباطن، يقال: ظهر يظهر ظهوراً فهو ظاهر وظهير.
والظهير: المعين، ومنه قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: ٤].
وبعير ظهير بيُّن الظهارة، إذا كان شديداً قوياً، ومن استعمال الظهير بمعنى المعين قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥].
وقد سبق أن تكلمنا في تفسير سورة الفرقان، وقلنا: إن معناها وكان الكافر معيناً للشيطان وحزبه من الكفرة على عداوة الله ورسله ليقاتل به -أي: الكافر- في سبيل الشيطان أولياء الله الذين يقاتلون في سبيل الله تبارك وتعالى.
وتقول: ظهرت البيت، أي: علوته، وظهرت على الرجل، أي: غلبته، وأظهرت بفلان، أي: أعليت به، والظهر من الأرض ما غلظ وارتفع، والبطن ما لان منها وسهل ورق واطمأن، وظهر الشيء ظهوراً: تبين، وأظهرت الشيء: بينته.
وورد هذا الاسم الكريم في القرآن الكريم مرة واحدة في هذه الآية في سورة الحديد: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣].
أما معنى هذا الاسم الشريف في حق الله تبارك وتعالى فقال الفراء: الظاهر على كل شيء علماً، وكذلك الباطن على كل شيء علماً.
وقال ابن جرير: يقول تعالى: وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه تبارك وتعالى.
إذاً: هذا أحد معاني الاسم الكريم الظاهر حينما يطلق في حق الله تبارك وتعالى، فالظاهر معناه: أنه ظاهر على كل شيء علماً، يعلم كل شيء تبارك وتعالى، وكذلك الباطن على كل شيء علماً، أو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه، وهذا مثل اسمه تبارك وتعالى الأعلى، فهو سبحانه الأعلى على كل شيء، فله الفوقية المطلقة بكل معانيها.
وهناك معنى آخر: أن الظاهر هو الذي ظهر للعقول بحججه وبراهين وجوده وأدلة وحدانيته عز وجل، هذا إذا أخذته من الظهور.
وإن أخذته من قول العرب: ظهر فلان فوق السطح إذا علا، ومنه قول الشاعر: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها فالظاهر أيضاً أنه يثبت لله سبحانه وتعالى صفة الظهور بمعنى العلو، فالله عز وجل يثبت له العلو المطلق من جميع الوجوه، سواء كان علو الذات، أو علو القدر، أو علو الصفات، أو علو القهر.
وقال الزجاج: الباطن: اسم الفاعل من بطن، وهو باطن إذا كان غير ظاهر، والظاهر: خلاف الباطن، فالله سبحانه وتعالى ظاهر باطن، هو باطن لأنه غير مشاهد كما تشاهد الأشياء المخلوقة.
فهو ظاهر بالدلائل الدالة عليه، وبأفعاله المؤدية إلى العلم به ومعرفته، فهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل، وباطن غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الدنيا، عز وجل عن ذلك وتعالى علواً كبيراً.
ويجوز في اللغة أن يكون الباطن العالم بما بطن، أي: بما خفي، كقولك: بطن بفلان، أي: خص به، فعرف باطن أمره، وهؤلاء بطانة فلان، أي: خاصته، فالبطانة هي التي تكون قريبة جداً من الإنسان، فبطانة الإنسان من الرفقاء أو الأصدقاء هو القريب منه بحيث يعرف ما خفي من أسراره.
فالباطن هو العالم بما بطن، يعني: بما خفي.
والظاهر هو القوي، كقولك: ظهر فلان بأمره فهو ظاهر عليه، يعني: قوي عليه، وتقول: جمل ظهير أي: قوي كبير.
وقال الأصمعي: يقال: ظاهر فلان فلاناً على فلان، إذا مالأه عليه.
وقال الخطابي: هو الظاهر بحججه الباهرة، وبراهينه النيرة، وبشواهد أعلامه الدالة على ثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته، ويكون الظاهر فوق كل شيء بقدرته.
فيكون الظهور بمعنى العلو، ويكون أيضاً بمعنى الغلبة.
وأما اسمه جل وعلا الباطن، فكما أشرنا آنفاً أن البطن خلاف الظهر، وهو مذكر وتأنيثه لغة، وبطانة الثوب: خلاف ظهارته، والبطنان: جمع البطن وهو الغامض من الأرض، وبطنان الجنة: وسطها، وبطنت الوادي: دخلته، وبطنت هذا الأمر: عرفت باطنه، وبطنت بفلان: صرت من خواصه، وبطانة الرجل: وليجته، وأبطنت الرجل: إذا جعلته من خواصك.
واسم الباطن ورد مرة واحدة في هذه الآية الكريمة في سورة الحديد.
أما معنى هذا الاسم الشريف من أسماء الله بجانب ما ذكرناه آنفاً، فيقول ابن جرير: هو الباطن لجميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، يعني: أن الله سبحانه وتعالى قريب إلى كل شيء، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦].
وقال الزجاج: الباطن هو: العالم ببطانة الشيء، يقال: بطنت فلاناً وخبرته، إذا عرفته ظاهراً وباطناً، فعلى هذا المعنى يكون الله تعالى عالماً ببواطن الأمور وظواهرها، فهو ذو الظاهر وذو الباطن، يعني: يعلم ما ظهر وما خفي.
وقال الخطابي: الباطن هو: المحتجب عن أبصار الخلق، وهو الذي لا يستولي عليه توهم الكيفية، فمن أصداء اسم الله سبحانه وتعالى الباطن أن تعرف أنه محتجب عن أبصار الخلق، فبالتالي لا يمكن أبداً أن يتوهم أو يتخيل كيف هو.
وقد يكون معنى الظهور والبطون: احتجابه عن أبصار الناظرين وتجليه لبصائر المتفكرين.
كما ذكر نفس الكلام لكن بعبارة أخرى: أنه سبحانه وتعالى باطن؛ لأنه محتجب عن أبصار الخلق، فهم لا يرونه، فلذلك هو باطن، وهو ظاهر؛ لأنه ظاهر بالأدلة على وجوده ووحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته، فهو ظاهر لبصائر وعقول المتفكرين، وهو باطن عن عيون المبصرين، فلا يراه عز وجل أحد في هذه الدنيا.
فيكون المعنى: هو العالم بما ظهر من الأمور والمطلع على ما بطن من الغيوب.
وقال الحليمي: الباطن: الذي لا يحس، وإنما يدرك بآثاره وأفعاله عز وجل.