آثار الإيمان باسمي الله عز وجل: (الظاهر والباطن)
أما آثار الإيمان بهذا الاسم الكريم (الباطن) فهي معرفة أن الله سبحانه وتعالى أعظم الغيب: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، فأعظم الغيب الذي يغيب عن أبصارنا هو الله سبحانه وتعالى.
فالغيب هو ما ليس بمحسوس، وإنما يدرك بالحواس دلائل وحدانيته ودلائل قدرته ودلائل وجوده عز وجل، لا كما يلهج به بعض الملاحدة في هذا الزمان من قولهم: حدثونا عن العلم ودعوكم من الغيبيات! بل بعضهم يكون أصرح في إلحاده وزندقته فيعبر عن الغيبيات بقوله: خزعبلات! وهذا يقتضي الكفر، فأعظم غيب على الإطلاق هو الله سبحانه وتعالى؛ لأننا لا نشاهده، ولأنه هو الباطن في هذا المعنى، فالله سبحانه وتعالى أعظم الغيب، محتجب عن الخلق، لا يراه أحد في الدنيا، ولا تدركه الأبصار في الآخرة.
وهناك فرق بين أن نقول: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، وبين إنكار المعتزلة وأشباههم رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة.
لأن الإدراك هو الإحاطة بالشيء، فمثلاً: -ولله المثل الأعلى- أنت إذا نظرت إلى البحر فليس معنى ذلك أنك أدركت البحر، بمعنى: أحطت به علماً، وهو مخلوق! بل أنت لا ترى إلا ما في السطح الظاهر أمامك فقط، فالله سبحانه وتعالى أعظم وأجل وأكبر، قال عز وجل: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠]، ورؤية الله لا تعني الإحاطة به عز وجل ولا تعني إدراكه، وإنما هي رؤية بدون أن يدرك كنهه تبارك وتعالى.
فالله تبارك وتعالى أعظم الغيب محتجب عن الخلق، لا يراه أحد في الدنيا ولا تدركه الأبصار في الآخرة، ولا نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء لنا أن نعلمه عنه، مما وصف به نفسه في كتابه، أو ما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهو سبحانه مع كونه الباطن المحتجب عن أبصارنا، فهو مع ذلك ظاهر لخلقه، بأفعاله وآياته المتلوة والعيانية، كما يقول الشاعر معبراً عن هذا المعنى: تأمل سطور الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل وقد خط فيها لو تأملت خطها ألا كل شيء ما خلا الله باطل فكل ما تقع عينك عليه هو آية تدلك على الله سبحانه وتعالى، فالله ظاهر، بمعنى: ظهور آيات وحدانيته، ودلائل قدرته وحججه عز وجل، فمن تأمل وتفكر في السماوات والأرض وما فيها عَلِم عِلْم اليقين أن لهذا الكون خالقاً مدبراً، قال عز وجل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١].
وقد أحسن من قال: فيا عجباً كيف يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد هذا فيما يتعلق بالآيات الكونية؛ لأن هذه الآيات يظهر بها الله عز وجل، بمعنى: أنها تكشف لنا قدرة الله وعلم الله وحكمة الله تبارك وتعالى ووحدانيته وأنه لا شريك له.
وهذه الآيات نوعان: آيات تبصيرية وآيات تنزيلية.
أما الآيات التنزيلية فهي الآيات المتلوة في كتاب الله تبارك وتعالى، فلا شك أن هذه الآيات نفسها تدل على الله سبحانه وتعالى؛ لأنها كلام الله الملك، وكلام الملك هو ملك الكلام، وكل إنسان ينصت يدرك جيداً أن القرآن لا يمكن أن يكون من كلام البشر، فأي إنسان عاقل ومدرك وعنده بصيرة وعلم باللغة العربية وطرائقها فإنه لا محالة يعلم أنه لا يمكن أن يصدر هذا الكلام عن مخلوق، ويستحيل أن يقدر مخلوق على أن يأتي بكلام مثل هذا الكلام.
فإعجاز القرآن الكريم ظاهر في أنك إذا أتيت القرآن من أي جهة ومن أي جانب ومن أي زاوية سوف تقطع بأنه كلام الله، ويستحيل أن يكون من كلام البشر.
فآيات الله تدل على الله، وتعرفنا بالله عز وجل؛ لأن معرفة الله إنما تكون بالتلقي عن طريق الوحي، وأما ما يقوله بعض الناس من أننا عرفنا الله سبحانه وتعالى بالعقل، فهذا فيه شيء من التجوز، فنحن نعرفه بالعقل بهذا المعنى الذي ذكرناه، أعني: عن طريق التفكر في الآيات التي تدلنا على وحدانيته عز وجل وقدرته وحكمته إلى آخره.
فأساساً لا يستطيع العقل أن يدرك كنه الله، وهل العقل يمكن أن يدلنا على صفات الذات وصفات الأفعال؟! وهل العقل يمكن أن يدلنا على أسماء الله الحسنى عن طريق الاستنباط؟!
ﷺ لا، إنما يكون هذا بالتوقيف، بمعنى: أن الوحي الصادق هو الذي يخبرنا بما لا نراه من صفات الله عز وجل وأفعاله وأسمائه.
فالله سبحانه وتعالى يعرف بالوحي، أما العقل فنحن نتفكر في آيات الله المخلوقة التي هي آياته التكوينية، والتي حثنا الله سبحانه وتعالى على التفكر والتأمل والتدبر فيها، بل أوجب علينا ذلك، كما بينا ذلك مراراً، فهناك آيات تكوينية مبثوثة في السماوات وفي الأرض وفي أنفسنا، وكل شيء تقع عليه عيناك فهو آية من آيات الله، حتى المعجزات الحسية التي أيد بها الأنبياء إنما سميت معجزات لأنها جاءت على خلاف العادة، والعادة في حد ذاتها إذا نظرت فيها وجدت أنها معجزة؛ لأنها تبين لنا قدرة الله تبارك وتعالى، فمثلاً: خروج الفرخ من البيضة معجزة، لكن لأنها هي الأصل صارت كالأمر العادي، لكن إذا خرق هذا الأصل وهو العادة فهذا هو الذي نسميه معجزة، وذلك من حيث دلالتها على أن الله سبحانه وتعالى يؤيد هذا النبي الذي أرسل.
فكل ما تقع عينك عليه هو معجزة، قال عز وجل: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]، والتأمل في أي شيء يقودك إلى إن له صانعاً مدبراً، وبعض العلماء أجاد في هذا حينما ناظر بعض الملاحدة، حيث قال الملحد: ما هو الدليل على وجود الله؟ فقال له العالم: بل أنت ما هو الدليل على عدم وجود الله؟ فمن حاول أن ينكر وجود الله فإنه لا يستطيع؛ لأن ذلك شيء لا يطاق، فلذلك نحن نعتقد جزماً أن من يدعي أنه لا يقر بوجود الله فهو كاذب في دعواه، فلم يقص القرآن عن أمة واحدة من أمم الكفر أنها أنكرت وجود الله، وإنما كان النزاع في توحيد الإلوهية، أما إقرار وجود الله عز وجل فهذا لا يستطيع أحد أن ينكره.
فهذا ما تيسر من كلام فيه توضيح معاني هذه الأسماء الأربعة الشريفة من أسماء الله الحسنى.