بيان بطلان التسلسل في الفاعلين
ونكمل كلام ابن القيم رحمه الله تعالى فيما يتعلق بهذا الاسم، يقول: وأرشد من بلي بشيء من وسوسة التسلسل في الفاعلين إذا قيل له: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟! أن يقرأ: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣].
كذلك قال ابن عباس لـ أبي زميل سماك بن الوليد الحنفي، وقد سأله: (ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قال: قلت: والله لا أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك، قلت: بلى، فقال لي: ما نجا من ذلك أحد، حتى أنزل الله عز وجل: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤]، قال: فقال لي: فإذا وجدت في نفسك شيئاً، فقل: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣]).
فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلان التسلسل الباطل ببديهة العقل، وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أول ليس قبله شيء، كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء، كما أن ظهوره هو العلو الذي ليس فوقه شيء، وبطونه هو الإحاطة التي لا يكون دونه فيها شيء، ولو كان قبله شيء يكون مؤثراً فيه لكان ذلك هو الرب الخلاق.
ولابد أن ينتهي الأمر إلى خالق غير مخلوق، وغني عن غيره.
فإن قيل: هل يوجد خالق يخلقه غيره ف
ﷺ لا؛ لأنه يكون محتاجاً إليه مفتقراً إليه، فلا يصح أن يكون خالقاً أو إلهاً.
قال: ولا بد أن ينتهي الأمر إلى خالق غير مخلوق، وغني عن غيره، وكل شيء فقير إليه، قائم بنفسه، وكل شيء قائم به، موجود بذاته، وكل شيء موجود به، قديم لا أول له، وكل ما سواه فوجوده بعد عدمه، باقٍ بذاته، وبقاء كل شيء به، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء.


الصفحة التالية
Icon