موقف قساوسة النصارى من المرأة وأثر ذلك على البيئة النصرانية
والنصارى ينظرون إلى الزواج على أنه نوع من القذارة أو النجاسة؛ لأنهم يرون أن المرأة شر كلها، وأن الاقتراب من المرأة أشد من الاقتراب من الأفاعي! وأعلن القساوسة والبابوات أن الزواج أمر يجب الابتعاد عنه، وأن العزب أكرم عند الله من المتزوج، وأعلنوا أنها -أي: المرأة- باب الشيطان، وأن العلاقة بالمرأة رجس في ذاته، وأن السمو لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج.
قال أحد قديسي الكنيسة: إنها -أي: المرأة- مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، متوهة للرجل.
وقال آخر ملقب أيضاً بالقديس: إنها شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية ملوحة.
وفي القرن الخامس اجتمع بعض اللاهوتيين ليبحثوا ويتساءلوا في مجمع ميكن: هل المرأة جثمان بحت، أم هي جسد ذو روح يناط به الخلاص والهلاك؟ وغلب على آرائهم أنها خلو من الروح الناجية، وليس هناك استثناء بين جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا مريم أم المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام! وعقد الفرنسيون في عام خمسمائة وستة وثمانين -يعني: في فترة شباب النبي صلى الله عليه وسلم- مؤتمراً، كان موضوع هذا المؤتمر: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وهل لها روح أم ليس لها روح؟ وإذا كان لها روح، فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وكل هذا الكلام للذين يدعون أن الإسلام أهان المرأة واحتقرها، إلى آخر هذه الأراجيف الشيطانية، وانظر كيف كان هؤلاء الناس ينظرون للمرأة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؟! وإذا كانت روحاً إنسانية، فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منه؟ وكان القرار النهائي في المجمع أن قرروا أنها إنسانة، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فقط! فيرى هذا الجيل المنحرف أن المرأة ينبوع المعاصي وأصل السيئة والفجور، وأن المرأة للرجل باب من أبواب جهنم من حيث هي مصدر تحركه وحمله على الآثام، ومنها انبجست عيون المصائب على الإنسانية جمعاء.
وهذه مأخوذة من التصور التوراتي؛ فإن التوراة تنسب الخطيئة إلى حواء؛ فهي بزعمهم التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة، وهي أتت بكل المصائب للبشرية؛ بسبب إغواء آدم بالأكل من الشجرة؛ ولهذا يقول بعض المصنفين: ولما كانت المرأة - حسب رواية سفر التكوين - هي التي أغرت الرجل بالأكل من الشجرة، فإن النصرانية المحرفة ناصبت المرأة العداء باعتبارها أصل الشر ومنبع الخطيئة في العالم؛ لذلك فإن عملية الخلاص من الخطيئة لا تتم إلا بإنكار الذات وقتل كل الميول الفطرية والرغبات الطبيعية، والاحتقار البالغ للجسد وشهواته.
ومن أساسيات النصرانية المحرفة: التنفير من المرأة وإن كانت زوجة، واحتقار وترذيل الصلة الزوجية وإن كانت حلالاً، حتى بالنسبة لغير الرهبان.
يقول أحد رجال الكنيسة بونافنتورا -الملقب بالقديس-: إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائناً بشرياً، بل ولا كائناً وحشياً، وإنما الذي ترون هو الشيطان بذاته، والذين تسمعون منه هو صفير الثعبان.
وهذه الحكايات موجودة في قصة الحضارة.
ويقول آخر: إن القس يجب أن يكرس حياته لله وبني الإنسان، وإن مستواه الأخلاقي يجب أن يعلو على مستوى أخلاق الشعب، وأن يضفي على مستواه هذه المكانة التي لابد منها؛ لاكتساب ثقة الناس وإجلالهم إياه.
وأحد الكتاب الأوروبيين مؤلف كتاب (المشكلة الأخلاقية والفلسفية)، يعلق على كلام القساوسة في هذا الباب فيقول: عظمة وعلاء، ولكنه قضاء قاسٍ على الإنسانية، وإن التصديق الكامل لمثل تلك المبادئ لا يمكن أن يملأ الأرض بأديرة فيها الرجال من جهة، والنساء من جهة أخرى، ينتظرون في طهارة وتأمل الزوال النهائي للنوع الإنساني.
وأصدر البرلمان الإنجليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك انجلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد)، أي: الإنجيل؛ لأنها تعتبر نجسة!.
وتذكر بعض المصادر أنه شُكل مجلس اجتماعي في بريطانيا خصيصاً لتعبيد النساء، وذلك سنة ألف وخمسمائة ميلادية، وكان من ضمن مواده: تعذيب النساء وهن أحياء بالنار! ونص القانون المدني الفرنسي وهو يدافع عن حقوق الثورة الفرنسية على: أن القاصرين هم: الصبي والمجنون والمرأة، حتى عدل عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.
وظلت النساء يُسخرن بالقانون الإنكليزي العام حتى منتصف القرن الماضي تقريباً، وكن غير معدودات من الأشخاص أو المواطنين الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم؛ حيث لم يكن لهن حقوق شخصية ولاحق في الأموال التي تحتسب لهن، ولا حق في ملكية شيء، حتى الملابس التي كن يلبسنها، بل إن القانون الإنجليزي حتى عام ألف وتسعمائة وخمسة ميلادية كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته! وقد حدد القانون ثمن الزوجة بستة سنتات، يعني: نصف شلن، وقد حدث أن باع إنجليزي زوجته سنة ألف وتسعمائة وواحد ثلاثين بخمسمائة جنيه، وقال محاميه في الدفاع عنه: إن القانون الإنجليزي عام ألف وتسعمائة وواحد يحدد ثمن الزوجة بستة سنتات، بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوج، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد ألغي عام ألف وتسعمائة وخمسة، بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة أشهر! وجاء في مجلة حضارة الإسلام: حدث في العام الماضي أن باع إيطالي زوجته لآخر على أقساط، فلما امتنع المشتري عن سداد الأقساط الأخيرة قتله الزوج البائع! وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: من الغرائب التي نقلت عن بعض الصحف المنشورة في هذه الأيام- يعني: قبل حوالي ستين سنة- أنه لا زال يوجد في الأرياف الإنجليزية رجال يبيعون نسائهم بثمن بخس جداً، كثلاثين شلناً، وقد ذكرت الصحف الإنجليزية أسماء بعضهم! وهذا الوضع للمرأة هو عند أن كانوا متمسكين بدينهم المحرف، أما الآن بعدما صاروا ملاحدة لا دين لهم فالوضع أخس؛ لأن المرأة أحقر من السلعة، فوضع المرأة في الغرب وضع مشين للغاية.
يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى: وأما المرأة فقد دفع بها الوضع الاجتماعي الذي لا يرحم إلى أنها تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة، ولا يستطيع أحد أن يعترض ولا أن يتكلم في مجلس الشعب، إلا إذا حصل اتفاق مع الأخ أو الأم أنها تشارك في كل التكاليف في البيت، فهنا لها أن تبقى! فأصبحت البنت تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة؛ لكي تبدأ في الكدح لنيل لقمة العيش، وإذا ما رغبت أو أجبرتها الظروف في البقاء في المنزل مع أسرتها بعد هذه السن، فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها، وثمن طعامها وغسيل ملابسها، بل تدفع رسماً معيناً مقابل اتصالاتها الهاتفية! وحدث ولا حرج عن ندرة الزواج وكثرة بيوت البغاء وتفشي الفواحش وكثرة اللقطاء وارتفاع نسبة الطلاق!