نظرة الإسلام إلى الزواج
وسنقف هنا على نظرة الإسلام للزواج؛ لنرى أن هذا الإسلام دين حياتي، كما قال عز وجل: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥]، فلا يمكن أن تستقيم حال البشرية إلا بهذا الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى شرع لبني آدم الزواج، وجعل تناسلهم يتم بطريقة شريفة منظمة محفوظة مصونة؛ كي لا تختلط المياه، ولا تشتبك الأنساب، وبهذا مُيز الإنسان عن البهائم والحيوانات.
وانظر إلى واقع الكفار الآن في الغرب، تجد الفوضى التي لا خطام لها ولا زمام، وكثير من الأبناء هناك لا يعرفون آباءهم، ولا يعرفون لهم أمهات، ولذا فإن مستشفيات النساء في أوروبا وفي الغرب إذا جاءت امرأة لتلد في تلك المستشفى فإنهم يذكرون في البطاقة الخاصة بمعاملة الولادة هل له أب أم ليس له أب، وهل تعرف أباه أم لا تعرف الأب، وهذه البطاقة يشرح فيها الطبيب حالة المريض، فأي امرأة تدخل مستشفيات الولادة يكون في بنود هذه البطاقة: متزوجة أم غير متزوجة؟! وهذا شيء عادي جداً عندهم، وليس فيه أدنى حرج.
والمرأة التي لا تنحط في حمأة الفاحشة هذه معقدة نفسياً، ولو وجدت طالبة في الكلية أو في المدرسة ولم يكن لها خليل أو خدن تعاشره سفاحاً، فهذه تحال للطبيب النفسي! لأنها في زعمهم معقدة، فنحمد الله على العافية! فلم تعد المرأة في ظل الإسلام كما كانت عند الآخرين نجسة ومدانة يجب التنزه عنها، ولكن تسامى الإسلام بالمرأة إلى علياء السمو.
فالإسلام لم يعتبر الزواج لعنة وشراً، ولم يجعل صوت المرأة مثل صوت صهيل الثعبان إلى آخره، بل جعل الزواج من أعظم نعم الله عز وجل على عباده، فقال سبحانه وتعالى وهو يمدح الرسل: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ [الرعد: ٣٨]، وهذا جاء في سياق الامتنان.
وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤].
وقال عز وجل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ [الروم: ٢١]، وكلمة (آيات) في القرآن الكريم لا تستعمل إلا في الأمور الجليلة العظيمة التي تعكس قدرة الله سبحانه وتعالى، وقد بلغ من تعظيم الإسلام للزواج أنه قرن آية التكوين الأخرى بتكوين العالم كله، فقال سبحانه وتعالى في سورة الروم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١]، وقال عز وجل وهو يقرن آياته العظمى في تكوين الأسرة بآياته العظمى في خلق الكون، فقال عز وجل بعدها مباشرة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: ٢٢].
فالزوجة نفسها ينظر الإسلام إليها أنها نعمة، فيجب على الإنسان أن يشكر ربه عليها، ولا يكفرها، ويعلم أنه سيسأل يوم القيامة عن هذه النعمة، كما جاء في الحديث: (سيلقى العبد ربه، فيقول الله عز وجل: ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول بلى أي رب! فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني)، رواه مسلم وغيره.
فالشاهد هنا: قوله عز وجل: (ألم أكرمك، وأسودك وأزوجك)، فهذه من نعم الله التي يحاسب عليها، ويسأل عنها يوم القيامة.