بيان خطأ السيوطي في تفسير قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله)
يقول السيوطي رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: (هل ينظرون) أي: ما ينتظر التاركون الدخول فيه، (إلا أن يأتيهم الله) يعني: إلا أن يأتيهم أمر الله، كقوله: ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [النحل: ٣٣] أي: عذابه.
اهـ.
وفي مثل هذه المواضع في التفسير لا يجوز الاعتماد على كلام الجلالين، أي: في مواضع التأويل المخالف لمنهج السلف، وهذا من المواضع التي خالف فيها السيوطي منهج السلف، ولابد من الاعتماد في مثل هذه المواضع على منهج السلف، فلا نقول مثلاً: (والله يحب المتقين) أي: يثيبهم! أو ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، أي: يثيبهم! بل هذه صفة من صفات الله لا يجوز تأويلها وتعطيلها.
كذلك قوله هنا: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ [البقرة: ٢١٠] هذه الآية لها أسباب تدل على أن هذا الوعيد أخروي، ولذلك قال ابن كثير في معنى هذه الآية: يقول تعالى مهدداً للكافرين بمحمد صلوات الله وسلامه عليه: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ﴾ [البقرة: ٢١٠] يعني: يوم القيامة؛ لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزي كل عامل بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
ولهذا قال تعالى: (وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور) كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ [الفجر: ٢١ - ٢٣]، وقال عز وجل: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨]، فوصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالإتيان في ظلل من الغمام كوصفه بالمجيء في آيات أخر، ونحوهما مما وصف به نفسه في كتابه أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
والقول في الصفات كالقول في الذات، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فمن قال: كيف يجيء الله سبحانه وتعالى؟ فيقال له: كيف ذاته؟ فسيقول: لا أعلم كيفية ذاته، فيقال له: وكذلك لا نعلم كيفية صفاته؛ فالكلام على الصفات فرع عن الكلام في الذات، فلأنك تثبت ذاتاً لا كذوات المخلوقين، كذلك تثبت صفات لا كصفات المخلوقين، فالسلف يقولون: نحن نجري هذه الصفات على ظاهرها، ويعنون أن ظاهرها هو ما يليق بالله سبحانه وتعالى، والظاهر لائق بالله سبحانه وتعالى، يعني: إذا سمعت صفة من صفات الله كقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤]، أو: ﴿يَدُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٦٤] أو غير ذلك من الصفات، مثل: أن الله يحب أو يفرح أو يعجب، أو غير ذلك من الصفات، فظاهرها هو كما يليق به سبحانه وتعالى، وليس ظاهرها مشابهة المخلوقين، فمن قال كما قال السلف: ظاهرها على ما يليق بالله، فبالتالي لن يحتاج لها إلى تأويل ولا إلى تعطيل، ولا إلى غير ذلك من المسالك الضالة.
ومن العلماء من فهم أن ظاهرها هو مشابهة المخلوقين، فاحتاج إلى أن ينفي الصفة ليحترز من ذلك فقال: الظاهر غير مراد، ومعنى القول بأن الظاهر غير مراد، أي: إذا قال: (استوى على العرش) يكون ظاهر الكلام غير مقصود؛ لأن ظاهره يقتضي التشبيه، وهو مشابهة المخلوقين كما يزعمون.
وهذا المسلك يترتب عليه كثير من المخاطر، وأول شيء أنه لما سمع صفات الله لم يقل: هي كما يليق بالله سبحانه وتعالى، وإنما قال: كالمخلوقين، فانصرف ذهنه إلى التشبيه، فأراد الهروب من هذا التشبيه فوقع في حفرة أخرى وهي حفرة التعطيل، فعطل الصفة وأنكرها، فبالتالي يكون قد حرف الكلام؛ لأنه نفى عن الله ما وصف به نفسه.
أما منهج السلف ففيه السلامة من هذا؛ لأنك لا تقع في التشبيه، بل أنت تقول: ظاهرها هو كما يليق بالله سبحانه وتعالى، وتؤكد ذلك بقولك: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، فكما أننا لا نعلم كيفية ذات الله، كذلك لا نعلم كيفية صفاته، وقد مر الكلام في هذا مرات كثيرة.
ومجيء الملائكة في ظلل من الغمام أمر مألوف، فقد جاء في الصحيح عن البراء رضي الله عنه قال: (كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بخطمين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي ﷺ فذكر ذلك له فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن).
وعن أسيد بن حضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس -يعني: هاجت وتحركت ومالت- فسكت عن القراءة فسكنت، فقرأ فجالت، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريباً منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى لا يراها حتى اختفت، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: اقرأ يا ابن حضير -المقصود: يا ليتك لم تتوقف عن القراءة- قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريباً، فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم).
يقول السيوطي رحمه الله تعالى: (هل ينظرون) يعني: ما ينتظر التاركون الدخول فيه (إلا أن يأتيهم الله): أمره، كقوله: (أو يأتي أمر ربك) أي: عذابه.
واللفظ أنه يأتي الله، فكيف يصح هذا التأويل وفيه نفي لصفة الإتيان؟! أما المنهج السلفي فسيثبت ما وصف الله به نفسه كما يليق به سبحانه.
(في ظلل): جمع ظلة (من الغمام) أي: السحاب (والملائكة وقضي الأمر) يعني: تم أمر هلاكهم (وإلى الله تُرجَع الأمور) وفي قراءة أخرى: (تَرجِع الأمور) يعني: سيجازي كلاً بعمله في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon