تفسير قوله تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة)
يقول تعالى: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ﴾ [البقرة: ٢١١] أي: (سل) يا محمد! (بني إسرائيل)، وهذا تبكيت لهم وإلزام لهم بالحجة، (كم آتيناهم) (كم) استفهامية، وهي معلَّقة بـ (سل) عن المفعول الثاني، فـ (كم) ثاني مفعولي لـ (آتينا)، ومميزها قوله: (من آية بينة) أي: ظاهرة كفلق البحر، وإنزال المن والسلوى؛ فبدلوها كفراً.
ولذلك قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١١] أي: يبدل ما أنعم الله به عليه من الآيات؛ لأنها سبب الهداية (من بعد ما جاءته) أي: يبدلها كفراً بدل أن يتعظ بها ويستدل بها على الإيمان والتوحيد والرسالة.
(من بعد ما جاءته): كفراً.
(فإن الله شديد العقاب) ولذلك قال تعالى في سورة إبراهيم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨].
يقول البقاعي: لما كان بنو إسرائيل أعلم الناس بظهور مجد الله في الغمام، لما رأى أسلافهم منه عند خروجهم من مصر، وفي جبل الطور، وقبة الزمان، وما في ذلك على ما نقل إليهم من وفور الهيئة وتعاظم الجلال؛ قال تعالى جواباً لمن قال: كيف يكون هذا؟ وهو إشارة إلى إتيان الله سبحانه وتعالى والملائكة في ظلل من الغمام، فجاء الجواب مباشرة: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [البقرة: ٢١١]، فإن بني إسرائيل عندهم علم من هذا، وهذا موجود ومكتوب في كتبهم، وهو مجيء الله سبحانه وتعالى في ظلل من الغمام والملائكة.