تفسير قوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم هم الخاسرون)
يقول الله عز وجل: ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة: ١٧ - ١٩].
﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ أي: من عذابه شيئاً ما، كما كانوا يفسدون بذلك في الدنيا.
﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾، كما يحلفون لكم في الدنيا كاذبين مبطلين، فهذا الحلف الكاذب مرنوا عليه، أي: صار عادة لازمة لهم، حتى إنهم يوم القيامة أيضاً يحلفون بالله كاذبين، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣].
فقوله تعالى: ((يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ)) يعني: السبب هنا الكذب في الحلف سواء في الدنيا أو في الآخرة: ((كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ))، في الدنيا كاذبين مبطلين؛ إشارة إلى مرونهم على النفاق ورسوخهم فيه حتى لدى من لا تخفى عليه خافية.
قد يروج كذبهم على الناس في الدنيا بأن الناس لا يصلون إلا إلى الظواهر، أما البواطن فالله وحده يعلمها، وفي الآخرة مع أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوبهم لكنهم أيضاً يستجنون بالأيمان الكاذبة.
﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ يعني: من النفع أو من الحق، ((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) فيما يحلفون عليه في الدارين.
﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ أي: استولى عليهم حتى صار الكذب والفساد ملكة لهم، ﴿فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾، أي: بتصوير اللذات الحسية والشهوات البدنية لهم، وتزيين الدنيا وزخرفها في أعينهم: وأسند إنساء ذكر الله إلى الشيطان كما قال: ﴿وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٦٨]، وقال تعالى: ﴿فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٤٢]، وقال أيضاً في الكهف: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣]، فكذلك هؤلاء المنافقون استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله.
﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ أي: أتباعه في الفساد والإفساد، ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ أي: الخسارة في الدارين.
والأحزاب في الإسلام نوعان: حزب الله وأحزاب الشيطان، فأحزاب الشيطان يجمعها دعوة واحدة، أما حزب الله فسوف يأتي ذكر وضعهم في آخر هذه السورة الكريمة، وكل من لم يرفع بالإسلام رأسه فهو من حزب الشيطان.