تفسير سيد قطب لقوله تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا)
قال الله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر: ٨] ثم ثنى بالأنصار فقال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩].
يقول صاحب (الظلال) في تفسير هذه الآيات: وهي صورة صادقة تبرز فيها أهم الملامح الممِّيزة للمهاجرين، فقد أُخرجوا إخراجاً من ديارهم وأموالهم، وأكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة، وذلك لا لذنب إلا أن يقولوا: ربنا الله، وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم؛ يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، اعتماداً على الله في فضله ورضوانه لا ملجأ لهم سواه، ولا جناب لهم إلا حماه، وهم مع أنهم مطاردون قليلون فإنهم ينصرون الله ورسوله بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات، وأضيق الأوقات، فأولئك هم الصادقون الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم، وصدقوها بعملهم، وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه، وصادقين مع رسوله ﷺ في أنهم اتبعوه، وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورة منه تدب على الأرض، ويراها الناس.
((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ))، وهذه كذلك صورة وضيئة صادقة تبرز أهم الملامح المميزة للأنصار؛ هذه المجموعة التي تفرغت لصفة وبلغت إلى آفاق، ولولا أنها وقعت بالفعل لحسبها الناس أحلاماً طائرة، ورؤىً مجنحة، ومُثُلاً عليا قد صاغها خيال محلِّق.