معنى اسم الله: المتكبر
قوله تعالى: ((الْمُتَكَبِّرُ)) أي: الذي يرى الكل حقيراً بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فالكبرياء إذا نسب إلى الله سبحانه وتعالى فهو صفة مدح، وإذا نُسب إلى المخلوق فهو ذم، وجاء في الحديث القدسي: (العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحد منهما قصمتة).
قوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: من الأوثان والشفعاء.
وقوله: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ﴾ أي: المقدر للأشياء على مقتضى حكمته، ((الْبَارِئُ)) أي: الموجد لها بعد عدم، ﴿الْمُصَوِّرُ﴾ أي: مصور الكائنات كما شاء سبحانه وتعالى، ﴿لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أي: الدالة على محاسن المعاني، وأحسن الممادح، ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٤] أي: في تدبيره خلقه، وصرفهم فيما فيه صلاحهم وسعادتهم.
وهنا نقف عند واحد فقط من هذه الأسماء المذكورة وهو: (المتكبر والكبير)، فهما متقاربان من حيث المعنى، يقال: كبر يكبر، أي: عظم فهو كبير.
وقال ابن سيده: الكِبَر نقيض الصغر، وكبّرَ الأمر، أي: جعله كبيراً، واستكبره: رآه كبيراً، كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ [يوسف: ٣١] أي: أعظمنه، والتكبير: التعظيم، والتكبر والاستكبار: التعظم، والكبر: الرفعة في الشرف، والكبرياء: الملك، كقوله تعالى: ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨]، والكبرياء أيضاً: العظمة والتجبر، والتاء التي في المتكبر ليست تاء التعاطي والتكلف كما يقال: فلان يتعظم، أي: يتكلف العظمة وهو ليس بعظيم، ويتسخّى وليس بسخي، وإنما هي تاء التفرد والتخصص.
قال الأزهري: التفعّل قد يجيء لغير التكلف، ومنه قول العرب: فلان يتظلم، أي: يظلم، وفلان يتظلم، أي: يشكو من الظلم، وهذه الكلمة من الأضداد، فثبت أن هذا البناء غير مقصور على التكلف.
وقال الرازي بعد أن ساق كلام الأزهري: وأنا أقول: إنه يمكن أن يجاب بوجه آخر وهو: أن المتفعل هو الذي يحاول إظهار الشيء ويبالغ في ذلك الإظهار، ثم إن كان صادقاً فيه كان ذلك الإظهار منه صفة مدح، وإن كان كاذباً فيه كان صفة ذم، وقد سمى الله سبحانه وتعالى نفسه بالمتكبر في آية واحدة من القرآن الكريم، في قوله: ﴿الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ وأما اسمه الكبير فقد ورد في ستة مواضع من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: ٩]، وقال ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢]، وقد جاء مقترناً باسمه العلي والمتعال.
وأما معنى المتكبر والكبير، فقد قال قتادة: المتكبر أي: تكبر عن كل شر، وقيل: المتكبر: هو الذي تكبر عن ظلم عباده، وهذا يرجع إلى المعنى الأول.
وقال الخطابي: هو المتعالي عن صفات الخلق، ويقال: هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة.
وقال القرطبي المتكبر: الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله.
وقيل: المتكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدَث والذم، وأصل الكبر والكبرياء: الامتناع وقلة الانقياد.
قال حميد بن ثور: عفت مثلما يعفو الفصيل فأصبحت بها كبرياء الصعب وهي ذلول وقال عبد الله النسفي: هو البليغ الكبرياء والعظمة.
وكذلك قال العلماء في معنى الكبير، فقال ابن جرير: الكبير يعني: العظيم الذي كل شيء دونه، ولا شيء أعظم منه.
وقال الخطابي: الكبير: هو الموصوف بالجلال وكبر الشأن، فَصَغُر دون جلاله كلُّ كبير.
ويقال: هو الذي كبر عن شَبَه المخلوقين.
إذاً: فمعاني المتكبر والكبير: أولاً: الذي تكبر عن كل سوء وشر وظلم.
ثانياً: الذي تكبر وتعالى عن صفات الخلق، فلا شيء مثله.
ثالثاً: الذي كبر وعظم، فكل شيء دون جلاله صغير وحقير.
رابعاً: الذي له الكبرياء في السماوات والأرض، أي: السلطان والعظمة.
وأما آثار الإيمان بهذين الاسمين الشريفين: الكبير والمتكبر فالآتي: فأولاً: أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، وأكبر من أن يُعرف كنه كبريائه وعظمته، وأكبر من أن يحاط به علماً، كما قال تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠]، فالله جلت عظمته أكبر من أن نعرف كيفية ذاته أو صفاته، ولذلك نهينا عن التفكر في الله؛ لأننا لن ندرك ذلك بعقولنا الصغيرة القاصرة المحدودة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله عز وجل).
وقد وقع الفلاسفة في ذلك، فحاولوا أن يدركوا كيفية وماهية ربهم بعقولهم، فتاهوا وضلوا ضلالاً بعيداً، ولم يجنوا سوى الحيرة والتخبط والتناقض فيما سطروه من الأقوال والمعتقدات، فمن أراد معرفة ربه وصفاته فعليه بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعلم الخلق بالله وصفاته، فعليه أنزل الكتاب العزيز الذي لا تكاد الآية منه تخلو من صفة لله عز وجل، وعليه أنزلت أيضاً السنة الشريفة الشارحة للكتاب.
فالتكبر لا يليق إلا بالله سبحانه وتعالى، فصفة السيد: التكبر والترفّع، وأما العكس فصفته التذلّل والخشوع والخضوع، وقد توعد الله سبحانه وتعالى المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة؛ لأنهم ينازعون سبحانه في صفة من صفاته، فهو السيد، قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأحقاف: ٢٠]، وقال تعالى: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠]، واستكبارهم هذا هو رفضهم الانقياد لله وأوامره، ورفضهم عبادة ربهم، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥]، وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ [الجاثية: ٣١].
ومن تكبُّر المشركين قولهم: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١]، فكان الكبر سبباً للطبع على قلوبهم كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: ٣٥]، وكذلك هلاك إبليس نفسه كان بسبب التكبر، قال تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤]، ولا يكاد يخلو طاغية في الأرض من هذا المرض العضال الذي كثر التحذير منه في القرآن والسنة.
إن الكبر أيضاً يمنع من طلب العلم والسؤال عنه؛ لأن المتكبر يترفع عن الجلوس بين يدي العالم للتعلم، ويرى أن ذلك فيه مهانة له، فيؤثر البقاء على الجهل، فيجمع بين الكبر وبين الجهل، بل قد يجادل ويناقش ويخوض في المسائل بدون علم؛ حتى لا يقال إنه لا يعلم، فيصغر عند الناس، قال تعالى ذكره: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الحج: ٨ - ٩]، وقال تعالى: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨]، ونحو ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [غافر: ٥٦].
وقد ذم السلف الكبر في العلم فمن أقوالهم: من أعجب برأيه ضلّ، ومن استغنى بعقله زلّ، ومن تكبر على الناس ذلّ، ومن خالط الأنذال حُقر، ومن جالس العلماء وُقر.
وقال إبراهيم بن الأشعث سألت الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: أن تخضع للحق، وأن تنقاد له ممن سمعته.
أي: ولو كان أجهل الناس؛ فإنه يلزمك أن تقبله منه.
وقال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالماً ما تعلم، فإذا ترك التعلم، وظن أنه قد استغنى، واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون.
ونبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم تمنعه منزلة النبوة من أن يطلب العلم ممن هو دونه، فقال للخضر عليه السلام: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: ٦٦].