تفسير قوله تعالى: (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرىً محصنة)
قال الله تعالى: ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر: ١٤].
قوله: ((لا يُقَاتِلُونَكُمْ)) أي: اليهود وإخوانهم، ((جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ)) أي: في الحصون، فلا يبرزون إلى البراز وهو المكان الفضاء، ((لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ)) أي: من خلف حيطان؛ لفرط رهبتهم منكم، فهم لابد أن يستتروا بالحيطان والدور؛ لجبنهم ورغبتهم في الحياة، وهذه الصفة تكاد تكون صفة لازمة من صفات اليهود، والذي نسمعه جميعاً من العسكريين خاصة الذين حاربوا اليهود في حرب رمضان يدلنا على هذه الصفة الملازمة لليهود، فقد كانوا -خاصة في الريف- يتحصنون انطلاقاً من هذه الطبيعة التي لا تتخلف عنهم أبداً.
قوله: ((بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)) أي: أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا، فإنهم إذا اقتتلوا فيما بينهم يكونون ذوي بأس شديد على بعضهم البعض، ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة؛ لأن الشجاع يجبن، والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه العبارة في غاية القوة وهي للزمخشري.
قوله: ((تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)) أي: تظنهم مجتمعين لاتفاقهم في الظاهر، والحال أن قلوبهم متفرقة لاختلاف مقاصدها، وتجاذب أدوائها، وتفرقها عن الحق بالباطل، فأهل الباطل تفرقهم الأهواء شتى، وآية ذلك: أن هذا الخبيث المدعو باراك حينما دعا إلى حكومة وحدة وطنية ويسمونها حكومة طوائف رفض ذلك زعيم المعارضة الخبيث السفاح شارون، وتتكلم الأحزاب اليهودية الآن وتقول: لا يُعقل أن نقعد معهم! فلا يمكن أن يجتمع هؤلاء أبداً مع بعضهم في ساعة واحدة، وذلك من شدة العداوة التي بينهم.
ونرجو ألا ينطبق هذا الوصف على حكام العرب: ((تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى))، فالذي يجمع ويوحد هي وحدة العقيدة، وعلل الله سبب تفرقهم بقوله: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ))، فمتى ما تخلف العقل والحكمة وجد التفرق، فدل هذا على أن الذين يتفرقون هم قوم لا يعقلون.
فمعنى قوله: ((تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)) أي: تظنهم مجتمعين لاتفاقهم في الظاهر، والحال أن قلوبهم متفرقة؛ لاختلاف مقاصدها، وتجاذب دواعيها، وتفرقها عن الحق بالباطل، ((ذَلِكَ)) أي: ذلك الاجتماع في الظاهر مع افتراق البواطن ((بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)) أي: أن ذلك يوجب جبنهم المفضي إلى الهلاك الكلي.
وفي هذه الآيات الثلاث تشجيع للمؤمنين على منازلتهم والحمل عليهم، وتذكير لهم بأنهم المنصورون الغالبون.
وانظروا إلى الحزب المسمى: بحزب الله، فعلى ما هم فيه من الضلال المبين إلا أنهم يرغمون أنف اليهود في التراب، وباللغة التي يفهمها اليهود جيداً، ونحن نسمع الأخبار في ذلك، وكيف أنهم أجبروهم على الخروج من الجنوب اللبناني بدون مقابل، وبدون أي اشتراط، فهرعوا كالجرذان الهاربة خوفاً من هؤلاء مع بدعتهم وضلالتهم، فكيف يكون الأمر لو كان الذين يقاتلونهم هم أهل الحق وأهل السنة؟! فلا يستطيع أن يرد للأمة المسلمة اعتبارها إلا المجاهدون الذين ينطلقون من عقيدة التوحيد، وعقيدة القتال في سبيل الله، فلا ينفعنا شيء آخر: لا وطنية، ولا قومية، ولا هذه الشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تدخل الجنة ولا تنقذ من النار، وإنما يكون ذلك بأن ترفع راية لا إله إلا الله، وقبل ذلك بأن نعود إلى ديننا عوداً جميلاً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حينما توعدنا إذا تخلينا عن ديننا: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلّاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، فهذا شرط يشترطه الصادق المصدوق ﷺ حتى تتألف وتجتمع هذه الأمة، وهو: أن تراجع الأمة دينها، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠]، فالمطلوب من جميع من حاربوا المسلمين أن يكفروا عما مضى، وأن ينووا في المستقبل الكف عن محاربة الدين، فقد حورب هذا الدين بشتى الطرق التي فيها إضعاف لقوة هذه الأمة، وذلك منذ بداية هذه المعاداة المشئومة مع أعداء الله اليهود الذين لا يعرفون إلا الغدر والخيانة، وهذا كله من الوحشية.