تبشير اليهود بمحمد هو سبب مبادرة الأنصار إلى الإسلام
وكذلك اشتهر حديث اليهود للأوس والخزرج عن خروج نبي، وكان ذلك من جملة العوامل التي هيأتهم للإيمان، وجعلتهم مستعدين لتقبل الرسالة.
فعن سلمة بن سلامة رضي الله عنه قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، فخرج علينا يوماً من بيته قبل مبعث النبي ﷺ بيسير، فوقف على مجلس بني عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سناً، علي برد مضطجعاً فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقوم أهل شرك وأصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائناً بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان! ترى هذا كائناً: أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، ويجزون فيها بعملهم؟! قال: نعم، والذي يحلف به! لوَدَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه، ثم يدخلونه إياه، فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غداً، قالوا له: ويحك! وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن في الجنوب، قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إلي، -أي: إلى سلمة بن سلامة - وأنا من أحدثهم سناً، فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه، -يعني: إذا كبر هذا الغلام وقارب الموت يكون الرسول عليه الصلاة والسلام قد بعث- قال سلمة: فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله ﷺ وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به! أي: لما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام كفر به ذلك اليهودي بغياً وحسداً.
إن اليهود ينظرون إلى العرب الذي هم من نسل إسماعيل على أنهم أولاد الجارية سارة، أما هم فأولاد الحرة هاجر؛ ولذا ينظرون إلى العرب نظرة الازدراء والاحتقار، وكذلك ينظرون إلى العرب على أنهم أناس أميون، وأما هم فأهل كتاب، وشعب الله المختار، فهذه النظرة تجعلهم يظنون ألن يبعث الله نبياً من هؤلاء: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةَُ﴾ [القصص: ٦٨]، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.