تفسير قوله تعالى: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن)
يقول الله تبارك وتعالى مهدداً ومتوعداً هؤلاء اللائي تظاهرن على النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ [التحريم: ٥].
(مُسْلِمَاتٍ) أي: خاضعات لله بالطاعة.
(مُؤْمِنَاتٍ) أي: مصدقات لله ورسوله.
(قَانِتَاتٍ) أي: مطيعات لما يؤمرن به.
(تَائِبَاتٍ) أي: من الذنوب لا يصررن عليها.
(عَابِدَاتٍ) أي: متعبدات لله، كأن العبادة امتزجت بقلوبهن حتى صارت ملكة لهن.
(سَائِحَاتٍ) أي: صائمات، (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا).
اعلم أن في وصف المبدلات بهذه الصفات تعريضاً بوجود اتصاف الأزواج بها، لاسيما أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ((عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ)) فيه بيان أن الخيرية التي يختارها الله لرسوله ﷺ في النساء هي تلك الصفات من الإيمان والصلاح وغير ذلك، فلم يذكر الجمال ولا الحسب ولا النسب، وإنما ذكر صفات الإيمان والصلاح.
قوله: (أن يبدله أزواجاً خير منكن) كيف يكن خيراً منهن؟ قال: (مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً)، وفي الحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يدك)، وقال تعالى: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢١].
وتقديم الثيبات على الأبكار هنا في معرض التخيير، وليس إشعاراً بأفضليتهن؛ لأنه ورد في الحديث: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)، وكذلك نساء الجنة وصفهن الله تعالى بقوله: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٥٦] ففيه أولوية الأبكار.
قال بعض المفسرين: قوله تعالى: (ثيبات وأبكارا) على سبيل التنويع، وأن الثيبات في الدنيا، والأبكار في الجنة كـ مريم ابنة عمران.
والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه لما كان في مقام الانتصار لرسول ﷺ وتنبيههن لما يليق بمقامه عندهن، ذكر من الصفات العالية ديناً وخلقاً، وقدم الثيبات ليبين أن الخيرية فيهن بحسب العشرة ومحاسن الأخلاق.