تفسير قوله تعالى: (وإنك لعلى خلقٍ عظيم)
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤].
قال ابن جرير: أي أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان خلق رسول الله ﷺ القرآن) تعني: كان خلقه كما هو في القرآن.
وقال الرازي: هذا كالتفسير لقوله: (بنعمة ربك)؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٢ - ٤]، فهذا كالتفسير لقوله: (بنعمة ربك).
والدلالة القاطعة على براءته مما رمي به من الجنون؛ لأن الأخلاق الحميدة، والأفعال المرضية، والفصاحة التامة، والعقل الكامل، والبراءة من كل عيب، والاتصاف بكل مكرمة؛ كانت ظاهرة منه صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت ظاهرة محسوسة فوجودها ينافي حصول الجنون، فكذب من أضافه إليه وضل، بل هو الأحرى بأن يرمى بما قذف به.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ قال ابن عباس ومجاهد: على دين عظيم من الأديان.
والخلق يأتي أحياناً بمعنى الدين، كقوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٧] أي: دين الأولين.
فيقول ابن عباس ومجاهد: (على خلق): على دين عظيم من الأديان، ليس دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها (أن خلقه ﷺ كان القرآن).
وقال علي رضي الله عنه وعطية: هو أدب القرآن.
وقيل: رفقه بأمته وإكرامه إياهم.
وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه مما نهى الله عنه.
وقيل: إنك على طبع كريم.
وحقيقة الخلق في اللغة هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب، فإنه يصير كأنه مفطور عليه وكأنه مسلوك به، وأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخيم.
والخيم بمعنى السجية والطبيعة، لا واحد له من لفظه، وسيكون الخلق هو الطبع المتكلف، والخيم: الطبع الغريزي.
وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره فقال: وإذا ذو الفضول ضن على المو لى وعادت لخيمها الأخلاق أي: رجعت الأخلاق إلى طبائعها.