قدرة الله تعالى على الإماتة والإحياء
قوله تعالى: (فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) كان يمكن أن يقول الله تبارك وتعالى: فأماتهم الله بدل قوله: (فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم)، وإنما جيء به على هذا التركيب للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد لأمر الله ومشيئته، وتلك مشيئة خارجة عن العادة، كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالاً من غير إباء ولا توقف، فلذلك قال: (فقال) ولم يقل: (فأماتهم) إنما قال: (فقال لهم الله موتوا) يعني: ماتوا في الحال في وقت واحد أجمعين.
كأنهم أمروا بالموت فامتثلوه في الحال دون توقف ودون إباء أو اعتراض، فلذلك أتى بهذه الصيغة كي يبين قدرته تبارك وتعالى ومشيئته التي لا راد لها، قال لهم الله: موتوا.
فماتوا في الحال! وهذا كقوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢].
(ثم أحياهم) هذا عطف بـ (ثم) إما على مقدر يستدعيه المقام، والمعنى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله: موتوا فماتوا ثم أحياهم، فتكون (أحياهم) معطوفة على (فماتوا).
وحذف قوله: (فماتوا) للدلالة على الاستغناء عن ذكره، فإنه لا أن يتخلف مراد الله تبارك وتعالى عن إرادته، فالله أراد منهم أن يموتوا، فلا يتخلف أبداً مراد الله ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]، فلما قال لهم: موتوا كان لابد أن يموتوا كما أراد الله، وقد ماتوا بالفعل، ولشدة اليقين بوقوع هذا المراد من الله سبحانه وتعالى لم يذكر (فماتوا)؛ لأن هذا واقع ولابد، لاستحالة عدم وقوعه، فاستغني عن ذكره باستحالة عدم وقوع مراد الله.
أو تكون (ثم أحياهم) معطوفة على (قال) (فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) والتقدير: (قال ثم أحياهم)، فهي معطوفة على (قال) فهذه فعل ماض وهذه فعلٌ ماض.


الصفحة التالية
Icon