تفسير قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم)
قال تبارك وتعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤] من المخاطبون هنا في قوله: (وقاتلوا)؟ إما أن يكون المخاطبون هم الذين أماتهم الله ثم أحياهم، فبعدما أحياهم أمرهم قائلاً: (وقاتلوا في سبيل الله)، وإما أن يكون الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون المقصود تحذيرهم، أي: لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء، فلا ينفعكم الهرب، ولكن قاتلوا في سبيل الله إذا استنفرتم إلى الجهاد.
قال المفسرون: في إتباع القصة المتقدمة الأمر بالقتال دليل على أنها سيقت بعثاً على الجهاد، فحرض على الجهاد بعد الإعلام بأن الفرار من الموت لا يغني، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٨].
وقوله: (سبيل الله) السبيل أصلاً هو الطريق، سميت المجاهدة سبيلاً إلى الله تعالى من حيث إن الإنسان يسلكها ويتوصل إلى الله بها ليتمكن من إظهار عبادته تعالى ونشر الدعوة إلى توحيده وحماية أهلها والمدافعة عن الحق وأهله.
فالجهاد سبيل الله لأنه يحمي الحق وينشره في ربوع الأرض، والقتال في سبيل الله شرع لإزالة الضرر العام، والضرر العام هو منع الحق وتأييد الشرك، فالجهاد هو لإزالة هذا المانع.
وفي قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤] باعث على صدق النية والإخلاص، (سميع عليم) سميع لأقوالكم عليم بأحوالكم وضمائركم.
فهذا حث على أن يكون الجهاد في سبيل الله لا رياء ولا سمعة ولا لطلب الغنيمة، كما في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: (سئل رسول الله ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).