تفسير قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون فأولئك هم العادون)
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ﴾ [المعارج: ٢٩ - ٣١].
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ أي: لغلبة ملكة الصبر؛ لأن هؤلاء المذكورين مستثنون من صفة الجزع عند البلاء والشح والبخل والحرص الشديد المذكورة في قوله: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ [المعارج: ١٩ - ٢١ - ] فمما يعجز غير المصلين عن الصبر عليه أمر العفَّة، فغير المصلي لا يصبر؛ لأنه لا يصلي صلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فأتى في صفة المصلين ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ أي: لغلبة ملكة الصبر وامتلاك ناصيته.
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾ [المعارج: ٣٠ - ٣١]، قال ابن جرير: أي: التمس لفرجه منكحا ًسوى زوجته أو ملك يمينه، ((فألئك هم العادون)) أي: الذين تعدوا ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم.
فهذه إشارة إلى أثر الصلاة في العفة عما حرم الله تبارك وتعالى، ونفس هذا المعنى أشار إليه قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [مريم: ٥٩]، فكل من يضيع الصلاة لا بد أن يقع أسيراً للشهوات.
وقال تبارك وتعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، ولذلك لا يقع المصلي المقيم للصلاة أسيراً للفحشاء والمنكر، فكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كذلك الفحشاء والمنكر تنهى عن الصلاة، وتصد الناس عنها.
ومما يدل على ارتباط المحافظة على الصلاة بالتعفف عن المحرمات قول الله تبارك وتعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: ٢٣٨]، فلم يقل الله تبارك وتعالى: احفظوا الصلاة والصلاة الوسطى، وإنما جاءت على صيغة المفاعلة (حافظوا)، فهذه المحافظة تقتضي التفاعل من الطرفين، إشارة إلى أن من حافظ على الصلاة حفظته الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (احفظ الله يحفظك)، فهذا هو المطلوب، وهو أن المحافظ على الصلاة يرد له مثل ذلك بأن تحفظه الصلاة عما حرم الله تبارك وتعالى، ولذلك نجد أهل الصلاة أقل الناس شراً، وهم بشر وليسوا معصومين، لكن المصلي يكون انقياده للشهوات أقل بكثير من مضيع الصلاة الذي يقع أسيراً للشهوات.
ولذلك لما ذكر للنبي ﷺ رجل يصلي ويصوم ويفعل كذا وكذا لكنه يسرق قال: (أما إنَّ صلاته ستنهاه)، ففي الصلاة تأثير عجيب جداً في الالتفات عما حرم الله تبارك وتعالى، فإن المصلي يوفق إلى أن ينهض من جديد ويستأنف السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى.