تفسير قوله تعالى: (وأنا منا الصالحون بخساً ولا رهقاً)
يقول الله عز وجل: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: ١١ - ١٣].
((وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ)) أي: المسلمون العاملون بطاعة الله.
((وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ)) أي: قوم دون ذلك وهم المقصرون في الصلاح، غير الكاملين فيه، يعني أن المؤمنين درجات: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٣].
وقيل: ((وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ)) هم الكافرون، أي: ومنا المسلمون ومنا الكافرون.
قوله: ((كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا)) أي: كنا قبل إسلامنا أهواء مختلفة وفرقاً شتى.
فهذا حكاية عن حالهم قبل أن يدخلوا في الإسلام لما سمعوا القرآن.
والطرائق جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه، والقدد: الضروب والأجناس المختلفة، جمع قدة كقطعة.
قوله: ((وَأَنَّا ظَنَنَّا)) أي: علمنا وأيقنا، والظن يأتي بمعنى العلم.
((أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ)) يعني: إن أراد بنا شيئاً.
((وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا)) إن طُلِبْنَا فلا مهرب لنا من الله عز وجل.
قال الزمخشري: هذه صفة الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم، منهم أخيار وأشرار ومقتصدون، وأنهم يعتقدون أن الله عز وجل عزيز غالب لا يفوته مطلب، ولا ينجي منه مهرب.
قوله: ((وأنا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى)) أي: القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم.
(آمنا به)، أي: صدقنا بأنه حق من عند الله.
((فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا)) يعني: لا يخاف أن ينقص من حسناته فلا يجازى عليها.
((وَلا رَهَقًا)) يعني: ولا يخاف أن ترهقه ذلة وتلحقه هيئة معذبة موجبة للخسوء والطرد، وإنما يكون له الجزاء الأوفى والعاقبة الحسنى.