تفسير قوله تعالى: (ولا تمنن تستكثر)
قال تعالى: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: ٦].
أي: لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها، أي: إذا أعطيت فلا تترقب ولا تتوقع ولا تؤمل أن ترد إليك هذه العطية بأكثر منها.
يقال: مننت فلاناً كذا، أي: أعطيته، كما قال تعالى: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ﴾ [ص: ٣٩]، يعني: فأعط أو أمسك.
وأصله: أن من أعطى فقد منَّ، فسميت العطية بالمن على سبيل الاستعارة.
وجوز القفال أن يكون الاستكثار عبارة عن طلب العوض كيف كان زائداً أو مساوياً.
قال: وإنما حسنت هذه الاستعارة؛ لأن الغالب أن الثواب يكون زائداً عن العطاء، وسمى طلب الثواب استكثاراً حملاً للشيء على أغلب أحواله، وهذا كما أن الأغلب أن المرأة إنما تتزوج ولها ولد للحاجة إلى من يربي ولدها، فسمي الولد ربيباً، ثم اتسع الأمر فسمي ربيباً وإن كان حين تتزوج أمه كبيراً، حملاً للأمر على تلك الأحوال.
يقول: وسر النهي أن يكون العطاء خالياً عن انتظار العوض، والتفات النفس إليه تعففاً وكمالاً وعلو همة.
وقال بعض المفسرين: معنى الآية: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾: لا تعط عطاءً مستكثراً هذا العطاء حتى ولو كان كثيراً، فإن من مكارم الأخلاق استقلال العطاء وإن كان كثيراً، فالسين للعد والوجدان.
وسبق في سورة الروم في قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩]، نفس هذا المعنى، وقد تكلمنا عنه في موضعه.