تفسير قوله تعالى: (ذلك اليوم الحق كنت تراباً)
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾ [النبأ: ٣٩ - ٤٠].
﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾ أي: الواقع الذي لا يمكن إنكاره، والحق صفة أو خبر.
﴿فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا﴾ أي: فمن شاء اتخذ للتصديق بهذا اليوم الحق والاستعداد له والعمل بما فيه النجاة مآبا ومرجعاً حسناً يئوب إليه.
﴿إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ أي: عذاب الآخرة، وصفه بالقرب لتحقق وقوعه وأنه آت، وكل آت قريب، وهذه قاعدة لا ينبغي أن يغفل عنها الإنسان أبداً، وهي أن كل ما هو آت قريب، والبعيد ما ليس بآت، والقرب نسبي، فكل ما هو معدود ومحدود فهو قريب، ولذلك قال اليهود: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً﴾ [البقرة: ٨٠] لأن المعدود محدود وله نهاية.
فكذلك هنا في قوله تبارك وتعالى: (إنا أنذرناكم عذاباً قريباً).
وأما قربه فلأن مبدأه الموت يوم القيامة؛ لأن الإنسان ينتقل بالموت إلى الدار الآخرة.
﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ أي: ينظر جزاءه من خير أو شر.
﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾ أي: يا ليتني كنت في الدنيا تراباً؛ لأن التراب لن يحاسب أو يلتفت إليه.
ومثل هذا الكلام قد يصدر من المؤمنين الخائفين أهل الخشية، كقول عمر رضي الله تعالى عنه: ليتني كنت بعرة! وكقول بعضهم: يا ليت أمي لم تلدني! خوفاً من الحساب يوم القيامة.
وعن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه قال: لو كنت يوم القيامة بين الجنة والنار لاخترت أن أكون تراباً قبل أن أصير إلى إحداهما).
يعني: ما دام يوجد احتمال أن يكون من أهل النار فيؤثر أن يكون تراباً.
وعن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم: أن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة، فيقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها من بعد ذلك: كوني تراباً فيعود جميعها تراباً، فإذا رأى الكافر ذلك تمنى مثله وقال: (يا ليتني كنت تراباً).
وقال أبو القاسم بن حبيب: رأيت في بعض التفاسير أن الكافر هنا إبليس، فهو إذا رأى ما حصل للمؤمنين من بني آدم من الثواب قال: (يا ليتني كنت تراباً) أي: كآدم الذي خلق من تراب، وهو قد احتقر آدم أولاً لأنه خلق من تراب حيث قال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢].
وهي عامة في كل كافر لقوله: (ويقول الكافر) فإنها صيغة عموم، وأولى الكفار بذلك إبليس عليه لعنة الله.
والله أعلم.