تفسير قوله تعالى: (ألم نجعل الأرض مهاداً وجعلنا نومكم سباتاً)
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾ [النبأ: ٦ - ٩].
ذكرهم تعالى بدلائل قدرته وآيات رحمته فقال عز وجل: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً﴾، أي: فراشاً وموطئاً تفترشونها فالمهاد هو الفراش الممهد كالمهد للصبي، وكذلك الأرض، وقرئ: (مهداً).
﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾ أي: أرسينا الأرض بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد، حتى لا تميد بأهلها، وتكون الأرض مهاداً بسبب ذلك، فإنما كانت الجبال أوتاداً؛ لأن جذورها في الأرض مغروسة، ولأنها تمنع الأرض من الاضطراب كالأوتاد التي تربط بها السفن لتثبيتها.
﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً﴾ أي: ذكوراً وإناثاً.
أو: (وخلقناكم أزواجاً) أي: أنواعاً في ألوانكم وصوركم وألسنتكم، فيدخل في هذا كل زوج من قبيح وحسن، وطويل وقصير لتختلف الأحوال، فيقع الاعتبار فيشكر الفاضل، ويصبر المفضول.
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾ أي: وصيرنا نومكم راحة ودعة، ليريح القوى من تعبها ويعيد إليها ما فقد منها؛ إطلاقاً للملزوم وهو السبات (الموت)، وإرادة اللازم وهو الاستراحة.
وقيل: السبات هو الليل الممتد الطويل السكون، ولهذا يقال فيمن وصف بسكرة الموت: إنه مسبوت أو به سبات، فوجه الامتنان بذلك ظاهر لما فيه من المنفعة والراحة؛ لأن النوم يكسب شيئاً من الراحة.


الصفحة التالية
Icon