تفسير قوله تعالى: (والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس)
قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير: ١٨].
(عسعس) أي: أدبر بظلامه ولم يبق منه إلا اليسير، وذلك وقت السحر آخر جزء من الليل.
﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾، أي: أقبل وتبين.
أو إذا هب نسيمه اللطيف.
أو إن زالت عنه غمة الليل وكربته، فتقول: تنفست بعد هذه الكربة، وهذا تشبيه بمن نفست عنه كربة باعتبار أن الليل كربة، فزال عنه ذلك الظلام.
إن لله سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من خلقه، لكنه لا يقسم إلا بما فيه آيات ودلائل على قدرته وحكمته تبارك وتعالى، ومع ذلك أقسم الله سبحانه وتعالى بهذه الأجرام السماوية، وفي أثناء القسم بها وصفها بما ينفي عنها صفة الألوهية؛ وذلك في قوله: (فلا أقسم بالخنس) وهي الرواجع من النجوم فهي تسترجع بعدما تغيب، فكذلك قوله: (والجوار الكنس) أي: التي تغيب وتدخل في بروجها، فذهابها وغيابها يدل على حدوثها وأنها مخلوقة لله سبحانه وتعالى.
فالخنوس والكنوس هو الغياب، قال عز وجل: ﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام: ٧٦] فالإله الحق لا يأفل ولا يغيب عن خلقه، فهذا تقريع لمن خصها بالعبادة، واتخذها من دونه أرباباً.
وفي الليل إذا أدبر زوال تلك الغمة التي تغمر الأحياء بامتداد الظلمة، بعدما استعادت أسباب نشاطها، وانتعشت من فتورها.
وفي الصبح إذا تنفس بشرى الأنفس بالحياة الجديدة في النهار الجديد، تنطلق فيه الإرادات إلى تحصيل الرغبات وسد الحاجات، والاستعداد لما هو آت.


الصفحة التالية
Icon