تفسير قوله تعالى: (ذي قوة وما صاحبكم بمجنون)
قال تعالى: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: ١٩ - ٢٢].
﴿ذِي قُوَّةٍ﴾ أي: قوة على تحمل أعباء الرسالة، وعلى كل ما يؤمر به، كما تقدم في قوله تبارك وتعالى: ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: ٥] وهو جبريل عليه السلام.
قوله: ﴿عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ أي: صاحب مكانة وشرف ومنزلة لديه تبارك وتعالى.
قوله تعالى: ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ﴾ أي: في الملأ الأعلى.
(أمين) على وحيه ورسالته.
قوله تعالى: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ أي: ليس محمد ﷺ ممن يتكلم عن ذلة ويهذي هذيان المجانين، كما قال تعالى: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: ٣٧] وهذا نفي لما كان يبهته به أعداؤه ﷺ حسداً وجرماً.
وفي قوله: (صاحبكم) تكذيب لهم بألطف وجه، إذ هو إيماء إلى أنه نشأ بين أظهركم، وأنتم تعرفونه جيداً بأنه أتم الخلق عقلاً، وأرجحهم قولاً، وأكملهم خلقاً، وأتقاهم لله، فلا يسند له الجنون إلا من هو مركب من الحمق والجنون، فالله در البحتري إذ يقول في القصيدة التي مطلعها: في الشيب زجر له لو كان ينزجر وبالغ منه لولا أنه حجر إلى أن قال: إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر يعني: إذا الخصم رأى المحاسن التي أدل بها وأفخر بها ذنوباً وتقصيراً فكيف أعتذر؟! فكذلك هنا قوله تبارك وتعالى: (وما صاحبكم بمجنون) فهو صاحبكم وأنتم تعرفون أنه منزه عن الكذب، وتقرون بأنكم ما جربتم عليه كذباً قط، حتى كانوا يلقبونه بالصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.