تفسير قوله تعالى: (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين كتاب مرقوم)
يقول الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٧ - ٩].
قوله تعالى: ((كَلَّا)) هذا اللفظ فيه ردع عن التطفيف الذي يقترفونه؛ لغفلتهم عن يوم الحساب وضعف استيقانهم به.
قوله: ((كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)) أي: ما كتب فيه من عملهم السيئ وأحصي عليهم، وإيثار المظهر للإشعار بوصف لهم ثانٍ وهو الفجور.
وفي غير القرآن كان يمكن أن يقال: كلا إن كتابهم لفي سجين.
والضمير يعود على المطففين، لكن أوثر اللفظ الصريح المظهر وهو قوله تعالى: ((الفُجَّارِ)) لأن في العدول عن الضمير إلى المظهر إشعاراً بوصف لهم ثانٍ.
الوصف الأول: التطفيف، الوصف الثاني: الفجور، فلو أشار إلى الضمير لما شعر أحد بالوصف الثاني وهو الفجور.
وإيثار المظهر للإشعار بوصف لهم ثانٍ وهو الفجور، لخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها في الشرع والعقل.
يعني: أن وصفهم بالفجور يفيد أنهم خارجون عن العدالة التي اتفق عليها العقل والشرع معاً.
قوله: ((كِتَابٌ مَرْقُومٌ)) أي: مكتوب بيّن الكتابة، أو فيه علامة تنبئ عن صدقه.
((كلا إن كتاب الفجار لفي سجين)) وسجين على وزن فعيل من السجن وهو الحبس والتضييق؛ لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، فهو بمعنى فاعل في الأصل، أو بمعنى مفعول، أي: مسجون لما ذكر في مكان مظلم.
وقيل: سجين اسم مكان، فيقدر مضاف فيه أو فيما بعده، والتقدير: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ)) ما كتاب سجين؟ أو ما محل كتاب سجين؟ فحذف المضاف.
وقيل: إنه مشترك بين المكان والكتاب.
وقال الأصفهاني: السجين اسم لجهنم بإزاء عليين.
يعني: في مقارنة عليين تسمى جهنم سجين.
وقيل: وزيد في لفظه تنبيهاً على زيادة معناه.
وقيل: هي اسم للأرض السابعة.
ثم قال: وقد قيل: إن كل شيء ذكره الله تعالى بقوله: (وما أدراك) فسره، وكل ما ذكره من قوله: (وما يدريك) تركه مبهماً.
يعني: إذا جاءت في القرآن الكريم لفظة: (وما أدراك)، فإن القرآن يبينها ويشرحها في السياق، أما قوله تعالى: (وما يدريك) فإنه يتركه مبهماً، مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس: ٣] أما لفظة (وما أدراك) فمثل: ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ١ - ٣].
وهنا أيضاً: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٨ - ٩] وكذلك قوله عز وجل بعد ذلك: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ [المطففين: ١٩] ثم فسر الكتاب.
فقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٨ - ٩] أي: ذلك الكتاب المكتوب فيه أعمالهم هو كتاب مرقوم، كتبت فيه أعمالهم وما في ضمائرهم وقلوبهم.