تفسير قوله تعالى: (فعال لما يريد)
قال تبارك وتعالى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٦] أي: لا يريد شيئاً إلا فعله، فلا يحول بينه وبين مراده شيء، فمتى أراد إهلاك الجاحدين ونصر المخلصين فعل؛ لأن له ملك السماوات والأرض، ولهذا أتبع ذلك بقوله سبحانه وتعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج: ١٧ - ٢٠].
قوله تعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ يقول ابن كثير: أي: مهما أراد فعله لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل؛ لعظمته وقهره وحكمته وعدله، كما روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قيل له وهو في مرض الموت: هل نظر إليك الطبيب؟ قال: نعم.
قالوا: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إني فعال لما أريد.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن الإنسان عندما يكون في مرض الموت، فإننا نجد أهل هذا المريض يذهبون به من مستشفى إلى مستشفى، تجد السيارات آتية وذاهبة، بينما لا تجد واحداً من الأقارب لهذا المريض ولا الزوار يحاول أن يذكره بالموت، وينبهه أنه على وشك أن يرحل من الدنيا، وينصحه ويوصيه، ويرغبه في عفو الله ومغفرته! فنقول: المريض يحتاج منك إذا كنت محباً له حقيقة أن تنفعه في هذه اللحظة، وهي أشد لحظة أن يقف صديقه أو قريبه إلى جانبه فيذكره بالتوبة، ويذكره بلا إله إلا الله، لكن للأسف لا نجد من كثير من الناس إلا الاهتمام بالأسباب الدنيوية، حتى وإن ظهر لهم أنه مرض الموت، وأنه على وشك أن تخرج منه الروح! إذاً: ينبغي أن ننتبه لهذا الأمر، وهو أمر السياق الأخير، وذلك عند خروج الروح، فهذا أبو بكر وهو في مرض الموت لما سئل: هل نظر إليك الطبيب؟ قال: نعم.
إذاً: علينا أن نهتم بالأولويات وأن نعطيها مكانها، ليس فقط أن نأتي بالطبيب والدواء والحقن للمريض حتى نقول له: نحن لم نقصر معك، فقد ذهبنا بك إلى أحسن مستشفى، وأحضرنا لك الأدوية من آخر الدنيا، واستوردناها من الخارج، وفعلنا كذا؛ لكن من منا ذكره بأنه مقبل على الموت؟ حتى لو لم يكن مرض الموت، فالموت آت وقد يأتي فجأة وقد يأتي بعد رسل ونذر كالشيب والمرض وهو الغالب، ولذلك تجد الفقهاء يذكرون أحكام المرض ثم يعقبونها بأحكام الموت؛ لأن الموت إما أن يأتي فجأة وإما أن يأتي بعد مرض، ورب إنسان مرض مرضاً ما كان يتصور أنه سيموت منه ثم إذا به يموت منه! فالإنسان إذا كان مريضاً فعليه أن يوصي أولاده ويذكرهم بالموت: يا أولادي إذا مت فافعلوا كذا وكذا، حافظوا على الصلاة والحجاب، علي حقوق لفلان فأدوها، هذا هو أمر الشرع، حتى لا تضيع حقوق الناس.
كذلك على المريض أن يحافظ على الصلاة، وإذا عجز تماماً عن الوضوء فيمكنه أن يتيمم، وإذا عجز عن الصلاة حال القيام أو القعود فإنه يصلي مضطجعاً أو يشير بعينه أو يمر الأركان على قلبه.
أيضاً المريض في لحظات المرض هو أحوج إلى من يذكره بالصلاة ويعينه عليها ويذكره بهذه الأمور، وألا يلتفت إلى الأسباب كالطبيب وغيره؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنك لست الطبيب، إنما الله هو الطبيب وأنت رفيق)، فلا بد أن نتوكل على الله سبحانه وتعالى ونعطي الأمور حجمها، وأن نرتبط دائماً بالله عز وجل.