تفسير قوله تعالى: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة)
هذه الأعمال التي ذكرها الله في قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٢ - ١٦] لا تنفع إلا مع الإيمان، فلا تنفع صاحبها في الآخرة إلا إذا كان مؤمناً، قال الله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النحل: ٩٧] فيشترط الإيمان حتى تنفع الأعمال الصالحة؛ ولهذا قال سبحانه هنا: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: ١٧]، و (ثم) هنا بمعنى: الواو، يعني: هو يفعل هذه الأشياء، ثم بعد ذلك يؤمن.
قوله تعالى: ((ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)) أي: بالحق الذي جاءهم.
((وَتَوَاصَوْا)) أي: أوصى بعضهم بعضاً.
((بِالصَّبْرِ)) أي: على ما نالهم في سبيل الدعوة إلى الحق.
((وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)) أي: بالرحمة على بعضهم كقوله تعالى: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩]، أو المعنى: بموجبات رحمته تعالى من القيام بالحق والصدع به، فالمرحمة هنا: أن يرحم بعضهم بعضاً، وكما قال سبحانه: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] أي: يتواصوا فيما بينهم بالأشياء التي إن فعلوها توجب لهم رحمة الله إياهم، وهي الأعمال الصالحة، والجهاد، والدعوة، والصدع بالحق، والصبر على ذلك.
وقوله: ﴿الْمَيْمَنَةِ﴾ [البلد: ١٨] أي: اليمين، أو المراد جهة اليمين التي فيها السعداء أصحاب اليمين.


الصفحة التالية
Icon