الصبر على الشدائد
الصبر على الشدائد من أعظم أنواع الشجاعة، وأخره الله عن الإيمان في قوله: ((ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))؛ لامتناع حصول فضيلة الشجاعة بدون اليقين، فأولاً يؤمن فإذا آمن يكون واثقاً من ثواب الصبر، وعنده يقين بالعاقبة الحسنة لهذه الشجاعة والإقدام.
وقوله تعالى: ((وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)) أي: بالتراحم والتعاطف، وهذا من أفضل أنواع العبادة.
قال بعض المفسرين: هنا عدد الله أجناس الفضائل الأربع التي يحصل بها كمال النفس، بدأ بالعفة التي هي أولى الفضائل، وعبر عنها بمعظم أنواعها وأخف خصالها الذي هو السخاء، ثم أورد الإيمان الذي هو الأصل والأساس، وجاء بلفظة (ثم) لبعد مرتبته عن الأولى في الارتفاع والعلو.
ثم رتب عليه الصبر لامتناعه بدون اليقين، فالصبر واليقين توءمان، والصبر أعلى درجات الشجاعة، والقرآن يربط رباطاً وثيقاً بين الصبر والإيمان، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤]، يقول العلماء: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، لا يمكن أن يصل الإنسان إلى مرتبة الإمامة إلا ومعه الصبر واليقين، وكذلك هنا ربط بينهما فقال: ((ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) فالإيمان هو اليقين، ثم ذكر الصبر، ولا يمكن أن يحصل صبر إلا باليقين، ولذلك تجد المؤمن أقل الناس جزعاً عند المصائب، فالمؤمن لا يجزع عند المصائب، حتى يعجب الناس من حاله إذا نزلت به مصيبة؛ لأنه يوقن أن ما عند الله خير وأبقى.
أحد الإخوة الشباب كان راكباً في طائرة فاختطفت، فكان يجلس بجواره بالطائرة رجل أمريكي، وكانت تحصل مفاوضات بين الخاطفين للطائرة وغيرهم، وكان الركاب في فزع وهلع وجزع؛ لأنهم يخافون من الموت، أما هذا الأخ فكان عنده سكينة ويقين وبرد وسلام، يذكر الله سبحانه وتعالى وكأن شيئاً لا يحصل، راضياً بما يقدره الله سبحانه وتعالى من موت أو حياة، فهو يستغفر الله ويذكر الله في غاية من الاطمئنان والهدوء والسكينة، فكان هذا يستفز الرجل الأمريكي الذي بجانبه، فقد كان في غاية من القلق والفزع والهلع من هذا الذي يحدث، فما صبر الأمريكي وكان كبيراً في السن، فقال له: ما هذا؟! نحن في هذه الحالة من الفزع وأنت جالس تتمتم بالأذكار مطمئناً! فقال له: لأنني مسلم، فقال له: ماذا تعني؟ فشرح له أن كل شيء سيكون بقضاء الله وقدره، والمسلم كل أمره له خير، ومهما حدث له فسيكون خيراً له إلى آخره، فالرجل من شدة إعجابه قال: لو نجوت من هذه الحادثة فسوف أدخل في الإسلام الذي يجعل أتباعه يصمدون أمام الشدائد بهذه الطريقة، فنجوا ولكن للأسف الشديد لم يسلم هذا الرجل! والله أعلم بحاله، وحسابه على الله.
الشاهد أن المؤمن بما عنده من اليقين لا يجزع عند الشدة ولا يخاف، بسبب ما عنده من اليقين، فاليقين هو أصل الشجاعة.
واستغنى بذكر المرحمة التي هي: صفة الرحمن عن سائر أنواعها كما استغنى بذكر الصبر عن سائر أنواع الشجاعة.


الصفحة التالية
Icon