تفسير قوله تعالى: (والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها)
قال تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [الشمس: ٣ - ٤].
قوله: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) أي: والنهار إذا أظهر الشمس، وذلك عند ظهور النهار وانبساطه؛ لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء! وفي هذه الأقسام كلها إشارة إلى تعظيم أمر الضياء، وإعظام قدر النعمة فيه، ولفت أذهاننا إلى أنه من آيات الله الكبرى، ونعمه العظمى، فالضياء ليس فقط من أجل نعمة البصر والرؤية وإنما هو سبب عظيم جداً من أسباب الحياة، فمثلاً: النباتات الخضراء لا يمكن أبداً أن تحيا بدون الشمس.
وقوله تعالى: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) قسم بالنهار في حالة معينة (إِذَا جَلَّاهَا)، فهذا بيان للحالة التي ينطق فيها النهار بتلك الفتنة الباهرة والآية الظاهرة، وهي حالة الصحو.
وقوله: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) مفهومه أنه لا يدخل في قسم النهار إذا كان هناك غيم، وإنما القسم بيوم الصحو حيث لا سحاب يحول بين الناس وبين الشمس، فالحالة التي ينطق فيها النهار بتلك الفتنة الباهرة والآية الظاهرة هي حالة الصحو، وأما يوم الغيم الذي لا تظهر فيه الشمس فحاله أشبه بحال الليل.
قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ أي: يغشى الشمس، ويعرض دون ضوئها، فيحجبه عن الأقطار، وذلك من خلال الظلمة الحالكة المشار إليها في قوله تعالى: ﴿وَلَيَالٍ عَشْر﴾ [الفجر: ٢]، وهي ليالي عشر ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان، وفيها تكون الظلمة حالكة حيث لا قمر طوال الليل.
يقول بعض المفسرين: إن الله قال في النهار: (جَلَّاهَا) بالماضي، لكن في الليل قال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) بالمضارع، والحكمة من ذلك أنه لقلة أوقات الظلمة عبر في ذلك بالمضارع المفيد للحاق الشيء وعروضه المتأخر عما هو أصل في نفسه، أما النهار فإنه يجلي الشمس دائماً من أوله إلى آخره، وذلك وصف له في ذاته، ولا ينفك عنه إلا لعارض، فالغيم أو الكسوف قليل العروض، ولهذا عبر في النهار بالماضي المفيد لوقوع المعنى من فاعله بدون إشارة أنه مما ينفك عنه.