تفسير قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى فسنيسره لليسرى)
قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥].
قوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ هذا تفصيل أنواع السعي المذكور في قوله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، فالله عز وجل يفصل تلك المساعي الشتى ويبين مآلها.
وقوله: (أعطى) فيها قولان: القول الأول: أنفق المال في كل أمور الخير، من صدقات وعتق وتقوية المسلمين على عدوهم كما كان يفعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه، سواء كان الإعطاء في فرض أو في نفل، وإطلاق هذا كالإطلاق في قوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] فإن المراد منه كل ما كان إنفاقاً في سبيل الله سواء كان واجباً أو نفلاً، وقد مدح الله قوماً فقال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨]، وقال في آخر هذه السورة ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: ١٧ - ١٨].
القول الثاني: أن قوله: (أعطى) يتناول إعطاء حقوق المال، وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى، فاستفرغ وسعه في طاعة الله تعالى.
والقول الأول هو المناسب للإعطاء، فهو إنفاق المال في جميع أمور الخير؛ لأن المعروف في الإعطاء تعلقه بالمال خصوصاً، وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال، وهذا يقوي القول الأول، فإنه قال: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى) ثم ذكر في المقابل البخل في المال فقال: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨].
وقوله: ﴿وَاتَّقَى﴾ أي: اتقى ربه فاجتنب محارمه.
قوله: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ أي: بالمثوبة الحسنى، أي: صدق بموعود الله الحسن، وهو الجنة، قال الله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]، وكما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] فسمى مضاعفة الأجر حسناً.
قوله: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ أي: فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى التي هي سلوك طريق الحق، فهذه الطريق تؤدي إلى اليسر وإلى الأمر السهل الذي يستريح به الناس.


الصفحة التالية
Icon