تفسير قوله تعالى: (وما يغني عنه ماله إذا تردى وإن لنا للآخرة والأولى)
قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى﴾ [الليل: ١١ - ١٣].
قوله: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ أي: وما يفيده ماله الذي تعب في تحصيله، وأفنى عمره في جمعه، وبطر الحق لأجله، تم مات مثل من تردى من الجبل، وتردى في الهوة؟! وفي التعبير بتردى إشارة إلى أنه بما قدمه من أعماله الخبيثة هو المهلك لنفسه والموقع لها في الهاوية.
وقوله: (ما) نافية، أي: لا يغني عنه ماله أو تكون استفهامية والجواب لا شيء.
قوله: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ أي: علينا بموجب قضائنا المبني على الحكم البالغة أن نبين لخلقنا طريق الهدى، فالله سبحانه وتعالى تكفل بأن يبين للناس طريق الهدى، وقد فعل سبحانه ذلك بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتمكين العقل من الاستدلال.
قوله: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى﴾ يعني: ملكاً وخلقاً، فلا يضرنا توليكم عن الهدى؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين لنا الهدى وهو غني عنا، قال سبحانه: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧] فالله سبحانه وتعالى غني عنكم، وليس بحاجة إلى طاعتكم ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر: ١٥].
فالله تعالى له التصرف المطلق في الدارين، والخلق في قبضة تصرفه، لا يحول بينهم وبينه أحد، ولا ينفعه أحد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
وفي قوله: (وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى) إشارة إلى كمال عظمته، وتكامل قهره وجبروته، وأن من كان كذلك فجدير أن يبادر بطاعته، ويحذر من معصيته.