تفسير قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤] هذا هو المقسم عليه، والمعنى: في تقويمٍ هو أحسن تقويم، فـ (أحسن تقويم) نعت لمحذوف، والتقويم هو التعديل كما في قوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَاً * قَيِّمًا﴾ [الكهف: ١ - ٢]، والتعديل أو التقويم حسّاً ومعنى، حساً: في شكل الإنسان وبُنيته، حيث يمشي منتصب القامة، ولا يمشي على أربع، وهذه أكمل وأجمل صورة.
وأما معنوياً: فمن حيث أن الله سبحانه وتعالى ميّزه بالروح الإنسانية: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠]، وقال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ [الشمس: ٧]، أي: عدلها.
وهذا التقويم الذي قوم الله الإنسان أو عدله عليه هو من دلائل القدرة ودلائل البعث، وبالتالي يكون دليلاً على قدرته على البعث والنشور، كما يقول الشاعر: دواؤك منك وما تشعرُ وداؤك منك وما تبصرُ وتزعم أنك جُرْمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ يقول تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: ٣٧ - ٤٠]؟ بلى.
وقوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ) الإنسان هنا مفرد لكنها اسم جنس، والدليل على أنها اسم جنس أنه قال بعدها: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التين: ٦] يعني: أن كلمة الإنسان يستثنى منها الذين آمنوا فدلّ على أنها اسم جنس، مثل سورة العصر: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [العصر: ٢ - ٣] فهذا الاستثناء يدل على أن كلمة (إنسان) اسم جنس.
قوله: (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أي: في أحسن تعديل خلقاً وشكلاً صورة ومعنى، فهو في أحسن صورة وأعدلها.


الصفحة التالية
Icon