تنزيه إبراهيم عن الشك
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بالشك من إبراهيم)، هذا الحديث من النبي ﷺ فيه نفي الشك تماماً عن إبراهيم عليه السلام؛ لأن الشك هو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، بحيث لا تملك أن ترجح أحدهما على الآخر، فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) معناه: أنه لو كان شاكاً لكنا نحن أولى وأحق بالشك، ونحن لا نشك، فإبراهيم أحرى ألا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام، هذا هو المعنى المقصود، ومن شروط الإيمان: اليقين المنافي للشك والريبة، فأي تردد في قضايا الإيمان يحبط الإيمان كله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات: ١٥]، لكن إذا آمنوا ثم ارتابوا فهذا يحبط الإيمان؛ فلذلك الشك يتنزه عنه المؤمن، فمقصود الحديث: لو كان إبراهيم قد شك، فنحن أولى منه بالشك، فبما أننا لا نشك فإبراهيم عليه السلام أولى وأحرى ألا يشك، ولا يجوز الشك على الأنبياء، هذا وهو خليل الرحمن سبحانه وتعالى، وهو إبراهيم عليه السلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢]، وقال أيضاً لما حكى عن إبليس: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٤٠]، وإذا لم تكن لإبليس عليهم سلطنة، فكيف يشككهم؟ وإنما أراد إبراهيم عليه السلام أن يرقى من علم اليقين إلى عين اليقين،
و Q كان عن كيفية الإحياء، والسؤال بكيف هو للسؤال عن الحال.
ونظير هذا
Q أن يقول القائل: كيف يحكم زيدٌ في الناس؟ فهل يفهم من هذا السؤال أنه يشك في أنه يحكم؟ لا يشك بأنه يحكم؛ لأن هذا مقر أن زيداً إذا كان حاكماً أو قاضياً فهو يحكم؛ لكن السؤال هنا هو عن كيفية الحكم، فهل هو حال الحكم يعدل أم يجور؟ كيف حكمه في الناس وكيف سيرته؟ فالمقصود ليس الشك في أنه يحكم، ولكن المقصود هو السؤال عن حاله من العدل والإنصاف وغير ذلك، فهو لا يشك أنه يحكم فيهم، ولكنه سأل عن كيفية حكمه لا ثبوته.
قد يتلاعب الوهم ببعض الخواطر، فيطرق إلى إبراهيم شكاً من هذه الآية، فأتى هذا الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بالشك من إبراهيم)؛ ليقطع به ﷺ دابر هذا الواهم، يعني: ونحن لم نشك، فلئلا يشك إبراهيم عليه السلام أحرى وأولى.
وسؤال إبراهيم عليه السلام إنما كان عن كيفية الإحياء: ((رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى))، ولا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها، فإنما هو طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه، يعني: أنت مطالب بأن تؤمن بالبعث والنشور والإحياء، لكنك غير مطالب بأن تؤمن بكيفية البعث والنشور، وكيفية هذا الإحياء، وهذا من السؤال عما ليس بشرط أو ما لا يتوقف الإيمان على علمه.