إجابة الله لدعاء إبراهيم
قوله تعالى: ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾، أي: إذا أردت الطمأنينة (فخذ) والفاء دخلت على (خذ)؛ لأنها واقعة في جواب الشرط المقدر، أي: إذا أردت الاطمئنان ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ))، إما أن تقول: صُرهن، أو صِرهن يعني: أملهن إليك، يعني: هات أربعة أنواع من الطيور وضمهن إليك، ولماذا سأل الله سبحانه وتعالى أن يضمهن إليه؟ لأنه إذا ضم هذه الأنواع من الطيور سواء كانت الغراب والنسر مثلاً أو غيرها من الأنواع التي ذكرها بعض العلماء، والمهم هي: أربعة أنواع مختلفة يضمها إليه حتى تكون قريبة جداً من عينه وحسه، ويضمها إليه فيراها فيتأملها، ويعرف أشكالها وهيئاتها؛ لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء، ليعرف أنها هي التي أحياها الله سبحانه وتعالى بعد موتها، ولا يتوهم أنها غير تلك، ويعرف هذه الطيور بعلاماتها وبأسمائها، وبأشكالها وبأحجامها، وأمره أن يضمهن إليه حتى يتيقن صفاتها، وهذا مثل قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: ١٧]، لماذا؟ حتى يكون على يقين أنها نفس العصا التي قال فيها: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨]، ويؤكد له أنها نفس العصا، بحيث إذا رأيتها انقلبت حية آمنت بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي قلبها حية، وأعادها مرة أخرى بقدرته تبارك وتعالى؛ فكذلك هنا قال: ((فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)) يعني: أملهن إليك، وقطعهن بعدما تتحقق منهن وتضمهن إليك، فصِّل الرءوس وخلِّط اللحم بالعظام بالعصب بالريش، يعني: صارت كتلة مسحوقة من اللحم والدم والعصب والعظام، فقد قطعها إرباً، وخلط بعضها ببعض ومزجها في كتلة واحدة.
﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة: ٢٦٠]، ثم اجعل على كل جبل من جبال أرضك: ﴿مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾، ثم ادعهن إليك، بعد أن تضع كل جزء على جبل من الجبال نادي هذه الطيور بأسمائها، فتحيا بإذن الله ((يَأْتِينَكَ سَعْيًا)) أي: يأتينك مسرعات.
وقوله تبارك وتعالى هنا: ((ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا))، في الأصل أن الطيور تطير، فما هي الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى عبر عنها هنا بالسعي؟ لأنها لو كانت تطير في الهواء، فقد لا يستطيع التحقق من صفاتها التي تثبت منها من قبل لما ضمهن إليه وتأمل في صفاتهن؛ ولذلك قال: ((ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا))، ولم يقل: طيراناً؛ لأنها إذا كانت ساعية كان ذلك أثبت لنظره عليها من أن تكون طائرة، ويستطيع أن يتحقق من صفاتها وهي تمشي على الأرض أكثر من أن يتحقق منها وهي تطير في السماء.
﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يعجزه شيء، ﴿حَكِيمٌ﴾ في صنعه، فأخذ طاووساً ونسراً وغراباً وديكاً، وفعل بهن ما ذكر، وأمسك رءوسهن عنده ودعاهن: فتطايرت الأجزاء إلى بعضها حتى تكاملت، حتى جاء في بعض كتب التفسير: أنه كان يمسك -مثلاً- رأس النسر وينادي الطاووس، فيأتي جسم الطاووس عند الرأس، فإذا قرب له رأس النسر اقترب إليه! والله سبحانه وتعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon