أدلة جواز لبس النساء للذهب المحلق
الأدلة من الكتاب والسنة على جواز تحلي النساء بالذهب المحلق كثيرة، منها قوله عز وجل: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] فالله عز وجل يعيب على المشركين أنهم كانوا ينسبون إليه الملائكة، ويصفونهم بأنهم إناث، ويرتضون لأنفسهم الذكور، ويفضلون الذكور على الإناث، فيختارون لأنفسهم ما يحبونه، وينسبون إلى الله عز وجل الإناث، فالله عز وجل أنكر عليهم هذا فقال: ((أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ)) يعني: أتنسبون إلى الله عز وجل الإناث اللاتي تعتقدون أن فيهن نقصاً ظاهراً في البدن، ونقصاً باطناً في العقل؟! ومن النقص الظاهر في بدن المرأة أنها تحاول أن تكمله وتعوضه بالحلية وبالزينة، أما نقص العقل فعلامته أنها ((فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)) يعني: لا تكاد امرأة من النساء تقدر على الخصام والمجادلة والنقاش إلا ما استثني، فهذا نقص باطنها، ونقص ظاهرها.
فالشاهد أن قوله تعالى: ((أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ)) المقصود به: الإناث، فتنشأ الطفلة من صغرها على حب الزينة، وتعويض هذا النقص الذي فيها، وهذه فطرة من الله عز وجل؛ فبين سبحانه أن للنساء حاجة أصلية إلى التحلي بالذهب وغيره من أنواع الحلي، وأنهن ينشأن عليه، وأن ذلك من دواعي أنوثتهن؛ وأباح لهن الذهب بإطلاق، يستوي في ذلك الذهب المحلق وغير المحلق، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية الكريمة على حل الذهب مطلقاً للنساء.
وجاء عن أبي العالية أنه سئل عن الذهب للنساء فقال: لا بأس به، يقول الله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨].
وأسند عبد الرزاق في تفسيره عن مجاهد رحمه الله أنه ذكر له أنهم يقولون: من تحلى بخربيصيصة كوي بها في النار؛ والخربيصيصة قطعة طويلة من الذهب؛ فقال مجاهد: رخص للنساء في الذهب والحرير، ثم تلا هذه الآية: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨]، وقوله: رخص للنساء في الذهب والحرير فيه إشارة إلى أن هذا كان بعد التحريم، والإمام مجاهد من أئمة التفسير الذين تلقوا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه، فقد قرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره يستوقفه عند كل آية ويستفسره عنها؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مجاهد إمام المفسرين، وكان آية في التفسير، ويقول سفيان الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وقد أكثر الإمام الشافعي في الاعتماد على أقوال مجاهد في التفسير، وكذلك الإمام البخاري.
وجاء في إباحة الذهب المحلق وغير المحلق للنساء أحاديث كثيرة تلقتها الأمة بالقبول من سائر المذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، وقدم العلماء أحاديث الإباحة على ما خالفها من أحاديث الحظر؛ لأنها أقرب إلى القرآن وأشهر وأصح، ومن ذلك حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذا الحديث صححه الإمام ابن حزم، وإن كان بعض العلماء طعن فيه بأنه من رواية محمد بن إسحاق وهو مدلس، لكنه قد صرح بالتحديث كما ذكر في عون المعبود فزال هذا الاعتراض، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (قدمت على النبي ﷺ حلية من عند النجاشي أهداها له، فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي، قالت: فأخذه رسول الله ﷺ بعود معرضاً أو ببعض أصابعه، ثم جاءت أمامة بنت أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال: تحلي بهذا يا بنية)، فهذا خاتم ذهب محلق، ومع ذلك أمرها أن تتحلى به.
ومن ذلك الحديث المشهور والمعروف: (أن النبي ﷺ أمسك بالذهب والحرير فقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم)، وهذا الحديث له طرق كثيرة صحح بعضها الإمام الترمذي وابن حبان والحاكم وابن حزم وابن العربي المالكي، ونقل الحافظ عبد الحق عن علي بن المديني أنه حسن بعض طرقه، بل عده الكتاني من الأحاديث المتواترة، وفيه دليل على الإباحة المطلقة للذهب للنساء.
ومن الأدلة ما جاء من طريق عبد الله بن جعفر عن محمد بن عمارة عن زينب بنت نبيط عن أمها قالت: (كنت أنا وأختان لي في حجر رسول الله ﷺ فكان يحلينا من الذهب والفضة)، وفي رواية أبي نعيم عنها قالت: حدثتني أمي وخالتي، وهذا الحديث من جملة ما استدركه الحاكم على الصحيحين وأقره الذهبي على تصحيحه.
وعن عائشة رضي الله عنها عند الإمام أحمد: أن رسول الله ﷺ قال: (لو كان أسامة جارية لحليته وكسوته حتى أنفقه)، وهذا الحديث صححه الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار، واستدل به البزار على هذا الحكم.
ومن ذلك ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال: قدمت صفية وفي أذنها خرصة من ذهب، فوهبت منه لـ فاطمة وللنساء معها؛ وصفية إنما تزوجها النبي ﷺ سنة تسع من الهجرة؛ لكن هذا حديث مرسل.
ومن ذلك أيضاً الأحاديث التي تدل على زكاة الحلي من الذهب، وخلاف العلماء فيها معروف، وتلك الأحاديث تدل على إباحة التحلي بالذهب مطلقاً للنساء.
ومن ذلك حديث صلاة العيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خطب النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين بعد صلاة العيد ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي قرطها في ثوب بلال)، وفي رواية: (فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن) يعني: يخلعن الذهب الذي في آذانهن وفي حلوقهن، وهذا يدل على أنهن كن يلبسن الذهب المحلق.
فهذه النصوص استدل بها العلماء على إباحة الذهب المحلق للنساء.
يقول الإمام البخاري في صحيحه: باب الخاتم للنساء، وكان على عائشة خواتيم الذهب، وعن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد فقال: لقد رأيت -والله- عائشة تلبس المعصفر وتلبس خواتيم الذهب.
وفي لفظ آخر: سألت القاسم بن محمد فقلت: إن ناساً يزعمون أن رسول الله ﷺ نهى عن الأحمرين المعصفر والذهب، فقال: كذبوا والله، لقد رأيت عائشة تلبس خواتيم الذهب.
يقول القاضي أبو المحاسن في توجيه هذا: لا يمكن أن عائشة تخالف الأحاديث في النهي عن لبس خواتم الذهب إلا بعد وقوفها على ناسخ؛ فكونها لبست مع علمها بالأحاديث الناهية يدل على أنها وقفت على حديث ينسخ هذه الأحاديث المحرمة للبس الذهب.


الصفحة التالية
Icon