تفسير قوله تعالى: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان)
قال تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٣].
كلمة (ربنا ربنا) جاءت خمس مرات في هذه الآيات، لإظهار كمال الضراعة والابتهال.
((سَمِعْنَا مُنَادِيًا)) المراد بالمنادي: الرسول صلى الله عليه وسلم، والنون هنا للتفخيم: ((سَمِعْنَا مُنَادِيًا))، وهذا كقوله: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٦].
وفي وصفه ﷺ بالمنادِي دلالة على كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى الداني والقاصي، لما فيه من الإيذان برفع الصوت: ((مُنَادِيًا يُنَادِي)) فهذا فيه مدح للنبي صلى الله عليه وسلم: أنه استغرق طاقته كلها في دعوة الداني والقاصي إلى الإسلام، وأمته خليفة له في أداء هذه المهمة: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي))، ينادي: يبلغ الناس، وبقدر استطاعته يوصل صوته ودعوته إلى القاصي والداني.
((يُنَادِي لِلإِيمَانِ)) يعني: ينادي لأجل الإيمان بالله، والمقصود أو الفائدة في الجمع بين: ((مُنَادِيًا يُنَادِي)) (للإيمان) أنه ذكر النداء مطلقاً، ثم قيده بالإيمان تفخيماً لشأن المنادي؛ لأنه لا منادي أعظم من مناد ينادي للإيمان؛ لأن المنادي يمكن أن يكون منادياً إلى الحرب، منادياً إلى الانتقام إلى الثأر إلى بعض المنافع، فلا منفعة أعظم من النداء للإيمان.
((مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ))، فهو أشرف ما ينادى به.
((أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)) أي: فامتثلنا أمره، وأجبنا نداءه.
((رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)) أي: استر لنا ذنوبنا ولا تفضحنا بها.
((وكفر عنا سيئاتنا)) التكفير بمعنى التغطية، يكفر البذر يعني: يغطيها بالتراب، والمعنى: أذهب عنا سيئاتنا بتبديلها حسنات.
((وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)) أي: معدودين في جملتهم حتى نكون في درجتهم يوم القيامة.