تفسير قوله تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد)
قال تعالى: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦] بين تعالى قبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا، وكشف عن حقارة شأنها وسوء مغبتها إثر بيان حسن ما أوتي المؤمنون من الثواب، ثم قال مباشرة: ((لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ)).
إذا كنت تحيا من أجل الجنة، ومن أجل أن تنال هذا الثواب من تكفير السيئات وتزحزح عن النار، وتخلد في جنات النعيم، وقد صبرت في سبيله على الأذى وهاجرت، فلا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، أي: لا تغتر بتصرفهم فيها بالمتاجر والمكاسب، ولا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق ودرك العاجل، أو ما هم عليه في البلاد من كل المظاهر التي تغر الناس، وكذلك افتتانهم بأحوال الكفار، خاصة أن هذه الأحوال التي تفتنهم إنما هي في الدنيا، والكفار الذين فتن بهم هؤلاء ليسوا أفضل منا في الدين قطعاً، لكن قد يكونون أفضل منا في الدنيا، وكذلك في بعض الأمور التي يفخر بها هؤلاء المفتونون بهم، ولكن حالهم في الدين أن ما بينهم وبين الله خراب، فلا خير فيهم؛ فلذلك لا يغرنك هذه المظاهر: ((لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ)) لأن ما لديهم ((مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ)) كما قال بعض السلف: (لا خير في نعيم بعده النار، ولا شر في بلاء بعده الجنة، وكل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار عافية) فهذه مقاييس لأولي الألباب ولأولي العقول.