أنواع التوسل المشروعة والممنوعة
التوسل بالرسول عليه السلام عند الصحابة وفي كلامهم المقصود به: التوسل بدعاء الرسول عليه الصلاة والسلام، كما هو معروف في حديث الأعمى الذي أتى النبي ﷺ وطلب منه أن يدعو له كي يعافيه الله تبارك وتعالى، فهذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبشفاعته، والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به، فهذا المعنى بقى عند المتأخرين، ولم يكن معروفاً أو متداولاً أو مستعملاً في القرآن ولا في السنة، ولا في كلام الصحابة رضي الله تعالى عنهم والسلف الصالح، وهو أن يكون التوسل أن تقسم على الله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو تقسم بالصالحين ومن يعتقد فيه الصلاح، لهذا يقول شيخ الإسلام: وحينئذ فلفظ التوسل يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به السنة.
فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء فأحدهما هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان بالله عز وجل وبطاعته، فقوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) أي: بالإيمان والعمل الصالح.
الثاني: دعاؤه وشفاعته كما تقدم.
فهذان جائزان بإجماع المسلمين، التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ [النساء: ٦٤]، فالتوسل هنا بدعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا بذاته، ومن هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اللهم! إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) يعني بقوله: (نتوسل بنبينا) أي: بدعائه، فلما قبض الرسول عليه الصلاة والسلام كان الحال أن قال: (فإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) فهذه شفاعة وهذا توسل عن طريق دعاء العبد الصالح وشفاعته.
وقوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) أي: القربة إليه بطاعته وطاعة رسوله، قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠].
فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين.
وأما التوسل بدعائه وشفاعته فكما قال عمر، فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل بذاته جائزاً لكان هذا أولى من التوسل بـ العباس، لو كان التوسل بذات الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام لتوسل به الصحابة بعد موته، لكن لما كان التوسل بالدعاء توسلوا بدعاء العباس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما عدلوا عن التوسل به عليه الصلاة والسلام إلى التوسل بـ العباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له فإنه مشروع دائماً.
فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان: أحدها: التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
الثاني: التوسل بدعائه وشفاعته عليه الصلاة والسلام، وهذا كان في حياته، ويكون يوم القيامة أيضاً حينما يتوسلون بشفاعته.
الثالث: التوسل به، بمعنى الإقسام على الله بذاته، والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم يكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، ولا في حياته ولا بعد مماته، ولا عند قبره ولا قبر غيره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عمن ليس قوله حجة، وهذا هو الذي قال فيه أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله: إنه لا يجوز.
ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل الله بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك.
قال أبو الحسين القدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى بشرح الكرخي: يدخل في باب الكراهة، وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة.
قال بشر بن الوليد: حدثنا أبو يوسف قال: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك -يقصد أن يتوسل بمعاقد العز من عشره تعالى- أو: بحق خلقك.
وهو قول أبى يوسف رحمهم الله تعالى.
فالمسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق، فلا تجوز وفاقاً.
وموضوع التوسل من الموضوعات الكبيرة التي تحتاج لكثير من التفصيل.