تفسير قوله تعالى: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا)
ثم يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: ٥٦] يعني: فإنهم هم الغالبون، لكن أبرز كلمة (حزب الله) ولم يقل (فإنهم هم الغالبون)، وهذا فيه دلالة على علة الغلبة للمؤمنين، فكأنه قال: ومن يتول هؤلاء الذين هم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون.
فذكر هذا تنويهاً بذكرهم وتعظيماً لشأنهم وتشريفاً لهم بهذا الاسم، وتعريضاً لمن يوالي هؤلاء بأنه من حزب الشيطان، بل بصورة أخرى من أحزاب الشياطين؛ لأن الباطل يتلون ويختلف ولا ينحصر، فالباطل كثير جداً ويتعدد؛ لأنه باطل، أما الحق فإنه واحد، ولذلك نجد القرآن دائماً يذكر النور والظلمات، فالنور مفرد، والظلمات جمع، فالباطل لا يكاد ينحصر، أما الحق فهو واحد لا يتعدد أبداً، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥٧] فالمسلم يفخر ويعتز بأنه ينتمي إلى حزب الله.
وهنا ينبغي التنبيه على أن لا نستعمل الاصطلاحات التي تستعمل الآن في التجمعات التي تنتسب إلى الإسلام كحزب الله الشيعي في لبنان وغيره، فالله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: ٥٦] فكل ما في العالم من أحزاب مرده إلى ضربين: حزب الله وحزب الشيطان، والغلبة ستكون لحزب الله، كما قال تعالى: ((فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)).
أما أحزاب الشيطان فكل من لم يرفع راية الاعتزاز بالله وبرسوله وبالإسلام وبموالاة المؤمنين فمهما ادعى فهو من حزب الشيطان، فكل الأحزاب السياسية بلا استثناء -ما دامت لا ترفع راية التوحيد ولا تعتز بانتمائها إلى الإسلام، ولا توحد ولايتها لله ورسوله- تندرج تحت حزب واحد، وهو حزب الشيطان، والمؤمن يفخر ويعتز ويتحدى العالم أجمع بشهادة التوحيد، وبانتمائه إلى هذا الحزب الغالب: حزب الله ورسوله والمؤمنون، وهذه هي العزة التي وصف الله تعالى بها المؤمنين بقوله: ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)).
وكأن هذا الموضوع -موضوع الأحزاب- أصبح شيئاً مسلماً به، ودائماً نسمع من بعض الناس ممن يعمل في حقل الدعوة الإسلامية في الوقت الأخير قوله: تجوز التعددية الحزبية؟! وهل تقام الأحزاب على أساس ديني؟! هو إن المعادلة هنا أن الاثني عشر إذا نقص منها واحد فإنها تساوي صفراً، ولا يكون الناتج أحد عشر، فكل الأحزاب بدون الإسلام ليس لها قيمة، وأحزاب بغير دين الله تعالى كلها تساوي صفراً؛ لأنها ترفع شعار: نحن لا نقيم الحزب على أساس ديني؛ فإن الدين عار.
فلذلك مهما كثرت أعدادها فكل هذه الأحزاب تساوي صفراً، بل تساوي الهلكة والخسران في الدنيا والآخرة والبوار.
قال تعالى: ((فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ))، فالحزب أصله يطلق على القوم الذين يجتمعون لأمر حزبهم، وقيل: الحزب جماعة فيها شدة.
فهو أخف من الجماعة والقوم.
ونحن اليوم نعيش في جو كله سموم، وكل أحد اليوم يتكلم عن تلوث الهواء والمياه بالمجاري وبالغازات، وما أحد يتكلم عن التلوث العقدي، التلوث في المفاهيم والقيم الذي هو أشد خطورة، فنحن كلنا نتنفس من نفس الجو، أما التسمم بالغاز أو أكسيد الكربون فإنه يحصل عندما تجلس الأسرة في غرفة في الريف -مثلاً- وتدخن الفحم في مأكول، فيحصل تسمم من غير شعور، وفي الأخير يموتون، نتيجة استهلاك الغاز في الحرق أو أكسيد الكربون.
ولو أن شخصاً جاء في وقت تعاطي هذه الجرعة قبل أن يهلكوا ففتح النافذة وأدخل الهواء النقي فإنهم حينئذ يفيقون ويحسون بالفارق بين الهواء المسموم الذي سيقتلهم وبين هذا الهواء النظيف الذي أتي من النافذة التي فتحت وجلبت لهم الهواء النظيف الذي يعمل على غسل للرئة والقلب.
فكذلك الإنسان لابد من أن يرتبط بالقرآن الكريم، فالقرآن يأخذ أولاً بأول سموم البيئة التي نعيش فيها، والتي ننغمس فيها حتى النخاع، ولا شك في أننا سنتأثر بهذه البيئة شئنا أم أبينا، وبهذه المفاهيم التي تواطأ عليها من خفت عقولهم في هذا الزمان، والأمر صريح صراحة قاطعة، ومع ذلك الناس في شك وريبة، وفي انحراف عن هذا الحق، فخفت عقولهم، وكانوا هكذا كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، فالوسيلة الوحيدة هي استعمال الغسيل للقلب باستمرار، وتنظيف عقلك من الأفكار الهدامة، فإذا زال الباطل ارتبط القلب بالقرآن، فبآية واحدة من القرآن الكريم تبطل كل هذه المقاييس التي ينفق من أجل نشرها ملايين الجنيهات والدولارات، من أجل تمثيل الباطل وتشويش عقيدة الناس، فآية واحدة من القرآن تهد كل ما يبذلونه حتى يصير هباء منثوراً.
ومن أمثلة ذلك موضوع تعدد الزوجات، فمهما تكملنا، ومهما أفسد المفسدون وتطاولوا فهي آية واحدة، والمسلم العادي بإيمانه الفطري إذا سمع القرآن يقول: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣] تجد كل ذلك الكلام عنده ينهد.
وقد كان ميثاق عبد الناصر يوزع مجاناً على المدارس وعلى الطلبة والمدرسين، وكنا نحسب نصوصه كنصوص القرآن، وأي موضع إنشاء لا بد من تحليته بآية شيطانية من الميثاق.
والآن انتهت تلك النسخ، وما أصبحت تنافس، أرادوا أن يصدوا به الناس عن القرآن فتناسوه، وما صار له أي ذكر؛ لأنه لا يربي بإيمان، والباقي هو كلمة الله عز وجل، وهو هذا القرآن، ولا يمكن أبداً أن ينال منه أحد، فقد قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
فالوصية التي نتواصى بها -وهي المخرج الأول لنا من كل ما نعيشه من الفتن الآن- هي الاعتصام بكتاب الله سبحانه وتعالى، فالقلب فيه منافذ معينة، فإذا كنت تغذي قلبك بالقرآن، فتلك الأفكار تموت فيه أو تمرض، إذاً فلنكرر هذا مراراً، وإذا كنا نتعارف على ما يسمى بالوحدة الوطنية، والمساواة بين المسلم والكافر، وغير ذلك من هذه المعاني المسمومة، فأين تكون هذه المعاني إذا وضعت بجوار هذه الآيات؟ لا شك في أن آية واحدة من القرآن تتلف كل هذا الكلام، وتذهب به إلى الموضع اللائق به، فلذلك علينا أن نتواصى دائماً بعلاج القلب بالقرآن الكريم، إذ القرآن يقوم المفاهيم باستمرار، ويذهب أثر هذه السموم.