المشرك يخترط سيف رسول الله فيمنعه الله منه
يقول الحافظ ابن كثير: ومن عصمة الله لرسوله ﷺ حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضاء، ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب؛ إذ كان رئيساً كبيراً مطاعاً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله ﷺ لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً، ثم قيض الله له الأنصار، فبايعوه على الإسلام وعلى أن يحتمل إلى دارهم، وهي المدينة، فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود، كل ما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سمه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه منهم، ولهذا قصص كثيرة يطول ذكرها.
منها: ما رواه ابن جرير بسنده: كان رسول الله ﷺ إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ فقال: الله عز وجل.
فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماؤه، فأنزل الله عز وجل: ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)).
وفي قصة أخرى: بينما النبي ﷺ جالس على رأس بئر قد دلى رجليه قال الوارث من بني النجار: لأقتلن محمداً.
فقال له أصحابه: كيف تقتله؟! قال: أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به.
قال: فأتاه فقال: يا محمد! أعطني سيفك أشيمه.
فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حال الله بينك وبين ما تريد).
ومن ذلك ما رواه الشيخان من حديث جابر: (غزونا مع رسول الله ﷺ قبل نجد، فلما قفل رسول الله ﷺ أدركتهم القائلة في واد كثير العضاه -أي: الأشواك- فنزل رسول الله ﷺ وتفرق الناس يستظلون بالشجر، فنزل رسول الله ﷺ تحت شجرة، فعلق بها سيفه ونمنا معه نوماً، فإذا رسول الله ﷺ يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً -يعني: شاهراً السيف- فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله -ثلاثاً- ولم يعاقبه، وجلس) والروايات في ذلك كثيرة جداً.


الصفحة التالية
Icon