النهي عن اتباع الأئمة المضلين
ثم نهاهم تعالى عن اتباع سلفهم وأئمتهم الضالين، فقال عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٧٧].
فسلفهم الضالون ليسوا هم الصالحين، فهو يحذرهم من اتباع سلفهم الذين اتبعوا هذه المقالات وأفسدوا دينهم.
وقوله تعالى: (ولا تتبعوا) يعني: تقليداً (أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً) يعني: ممن شايعهم على التقليد (وضلوا عن سواء السبيل).
يقول الرازي: إنه تعالى وصفهم بثلاث درجات في الضلال، فبين أنهم كانوا ضالين من قبل ((قد ضلوا من قبل)) ثم ذكر أنهم كانوا مضلين لغيرهم، فالمرء منهم ضال في نفسه ومضل لغيره، فيحمل وزر نفسه ووزر الذين يضلهم بغير علم.
ثم ذكر أنهم استمروا على تلك الحال حتى إنهم الآن ضالون قد ثبتوا على الضلال.
قال تعالى: ((وضلوا عن سواء السبيل)) ودلت الآية على أن ما لهؤلاء الكفرة من الأباطيل مع مخالفتها للعقول ومزاحمتها للأصول لا مستند له، ولا معول لهم فيه غير التقليد لأسلافهم الضالين، فكل ما عندهم هو تقليد آبائهم وأجدادهم وسلفهم الذين أحدثوا القول بالتثليث بعد نحو ثلاثمائة سنة من رفع المسيح عليه السلام.
فبعد ثلاثمائة سنة من رفع المسيح اخترعوا هذه المزاعم الباطلة والشركية، وقرروها في تعاليمهم بعد جدل وافتراض، وتمسكوا في ذلك بظواهر الألفاظ التي لا يحيطون بها علماً مما لا أصل له في شرع الإنجيل، ولا هو مأخوذ من قول المسيح، ولا من أقوال حوارييه، بل كلام متهافت يكذب بعضه بعضاً ويعارضه ويناقضه.