محاولة أبي جهل قتل النبي صلى الله عليه وسلم
قال الماوردي: إن قريشاً اجتمعت في دار الندوة، وكان فيهم النضر بن الحارث بن كنانة وكان زعيم القوم، وساعده عبد الله بن الزبعرى، وكان شاعر القوم، فحضهم على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: الموت خير لكم من الحياة.
فقال بعضهم: كيف نصنع؟ فقال أبو جهل: هل محمد إلا رجل واحد؟! وهل بنو هاشم إلا قبيلة من قبائل قريش؟! فليس فيكم من يزهد في الحياة فيقتل محمداً ويريح قومه.
وأطرق ملياً، فقالوا: من فعل هذا ساد.
فقال أبو جهل: ما محمد بأقوى من رجل منا، وإني أقوم إليه فأشدخ رأسه بحجر، فإن قتلت أرحت قومي، وإن بقيت فذاك الذي أوثر.
فخرجوا على ذلك، فلما اجتمعوا في الحطيم -والحطيم هو المثلث المتصل بين الركن اليماني- الذي فيه الحجر الأسود -وبئر زمزم ومقام إبراهيم عليه السلام، وسمي الحطيم لأن من حلف فيه كاذباً فإن الله يحطمه ويهلكه -فلما اجتمعوا في الحطيم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد جاء.
فتقدم من الركن، فقام يصلي عليه الصلاة والسلام، فنظروا إليه يطيل الركوع والسجود، فقال أبو جهل: فإني أقوم فأريحكم منه.
فأخذ مهراساً عظيماً، ودنا من رسول الله ﷺ وهو ساجد، لا يلتفت إليه النبي ﷺ ولا يهابه وهو يراه، فاقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول يراه، ومع ذلك لم يلتفت إليه، وظل في صلاته، فلما دنا منه ارتعد وأرسل الحجر على رجله، أي: لما اقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام ارتعش الكافر وسقط الحجر من بين يديه على رجله، فرجع وقد شدخت أصابعه وهو يرتعد، وقد انتفخت أوداجه، ورسول الله ﷺ ساجد، فقال أبو جهل لأصحابه: خذوني إليكم.
فالتزموه، وقد غشي عليه ساعة، فلما أفاق قال له أصحابه: ما الذي أصابك؟ قال: لما دنوت منه أقبل عليّ من رأسه فحل فاغر فاه، فحمل عليّ أسنانه فلم أتمالك، وإني أرى محمداً محجوباً.
فقال له بعض أصحابه: يا أبا الحكم! رغبت وأحببت الحياة ورجعت.
يعني: أنت تحتج وتقول: إنه ظهر لك هذا الفحل فاغراً فاه، وحمل عليك بأسنانه، وإنما أحببت الحياة ورجعت خوفاً من أن تموت.
فقال: ما تغروني عن نفسي.
قال النضر بن الحارث: فإن رجع غداً فأنا له.
قالوا له: يا أبا سهل! لئن فعلت هذا لتفوزن.
فلما كان من الغد اجتمعوا في الحطيم منتظرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أشرف عليهم قاموا بأجمعهم فواثبوه، فأخذ حفنة من تراب وقال: (شاهت الوجوه.
وقال: حم لا ينصرون) فتفرقوا عنه، يقول: وهذا دفع إلهي وثق به من الله تعالى، فصبر عليه حتى وفاه الله، وكان من أقوى الشهادات على صدقه.
وحصل نفس الموقف مع معمر بن يزيد وكلدة بن أسد، كما ذكر المفسرون.