أحكام القرآن تعم جميع الخلق منذ نزوله إلى قيام الساعة
واستدل به -أيضاً- على أن أحكام القرآن تعم الموجودين يوم نزوله، ومن سيولد بعد إلى يوم القيامة؛ لأن كلمة (ومن بلغ)، تعنى: كل من بلغه القرآن، سواء أكان في زمانه ﷺ أم في غير زمانه إلى يوم القيامة، أم في أي مكان على وجه هذه الأرض.
فكل من سمع هذا القرآن يجب عليه أن يتحرى، وكل من بلغه أن الله سبحانه وتعالى بعث رسولاً اسمه محمد، أو أنزل كتاباً اسمه القرآن، أو أن هناك ديناً اسمه الإسلام يجب عليه أن يتحرى ويبذل غاية وسعه في التحري عن الحق، ولا يعذر إن قال: اجتهدت في البحث عن الحق فوجدت الحق في غير دين الإسلام.
لا يعذر أمام الله سبحانه وتعالى أبداً؛ لأن وضوح صدق دين الإسلام وأنه دين الله الوحيد الحق أظهر من الشمس، ولا يمكن لأي إنسان عاقل يخلص في البحث عن الحق أن يصل إلى غير هذه النتيجة؛ لشدة وضوحها، وكثرة الأدلة عليها، فمما يؤسف له أننا نجد حتى من بين من ينتسبون للدعوة أو من بين الملتزمين من لا يستطيع أن يدلل على قضايا الإيمان وإحباط الشرك والكفر، وهذه الأشياء أساسية، وينبغي على الإنسان أن يتسلح فيها بالأدلة، فإذا احتجت في وقت من الأوقات إلى أن تثبت أن القرآن معجزة وأنت لم تعرف الأدلة فكيف ستتكلم؟ وماذا ستقول؟ وبم تدلل؟ وكيف تقيم دلالة قوية قاطعة على أن القرآن معجزة من عند الله سبحانه وتعالى؟! فلابد من أن تكون مستحضراً لهذه الأشياء.
ونبوة محمد ﷺ قد ثبتت عندنا بأدلة من أقوى الأدلة التي هي كالشمس في نقائها وظهورها ووضوحها، فيقبح بنا -معشر المسلمين- أن لا نتقن هذه الأدلة، وأن نعجز عن أن نحاج في الانتصار لدين الحق؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إن كان قد قبضه الله عز وجل والتحق بالرفيق الأعلى فإن أمته تقوم مقامه في إبلاغ رسالته وإقامة الحجة على الخلق، فنحن الشهداء على هذه الأمم، كما قال عز وجل: ﴿وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٨]، فكيف نكون شهداء على الناس ونحن لم نبلغهم الحق أصلاً، وقد قصَّرنا في إبلاغ هذا الحق إليهم؟! فإذاً: يجب على الإنسان أن لا يقصِّر أبداً في إبلاغ الحق إلى أي مخلوق، سواءٌ من يهود أو نصارى أو مشركين أو أي طائفة، فلابد من أن يجتهد الإنسان في التبليغ.
يقول محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي ﷺ وكلمه.
ورواه عنه ابن جرير بلفظ: من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الربيع بن أنس: حق على من اتبع رسول الله ﷺ أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينذر بالذي أنذر.