تفسير قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا)
يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [الأنعام: ٢٢].
قوله: (يوم نحشرهم) أي: الإنس والجن والشياطين.
(جميعاً) لكي يفتضح من لا يفلح من الظالمين، ويظهر المفلحون بكمال الإعجاز.
وقوله: (ثم نقول للذين أشركوا) أي: الذين مضوا على الشرك بأن ماتوا عليه، وهم الشاهدون أن مع الله آلهةً أخرى: (أين شركاؤكم) أي: الذين جعلتموهم شركاءنا، وهم شركاؤكم في العبودية.
وقيل: قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات: ٢٢] يقتضي حضورهم معهم في المحشر، وعلى هذا تحمل الآية هنا (ويوم نحشرهم جميعاً) أي: المشركين (ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون)، ففي الآية الأخرى يقول عز وجل: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُوْنِ الله﴾ [الصافات: ٢٢] فهذا يقتضي حضورهم معهم في المحشر، وآية الأنعام فيها سؤالهم عن شركائهم.
وأجيب بأنه على تقدير مضاف، أي أن الله هنا يقول: (ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم)، والآية الأخرى تثبت أن شركاءهم يحشرون معهم، والسؤال بـ (أين) يكون على شيء لا يحضر، ف
ﷺ هم حاضرون بالفعل محشورون معهم مصداقاً للآية التي في سورة الصافات، لكن المقصود هنا بتقدير مضاف، فقوله: (أين شركاؤكم) يعني: أين نفع شركائكم، وأين شفاعة شركائكم؟! فهم بمنزلة الغُيَّب؛ لأن الحاضر الذي لا نفع ولا فائدة من حضوره هو مثل الغائب، ومثل الميت، ومثل المعدوم؛ لأنهم عدموا ما رجوا منهم من الشفاعة.
فالمقصود هو التوبيخ والتقريع، وأن يقرر في نفوسهم أن ما كانوا يرجونه مأيوس منه، وثمرة هذا أنهم يعلمون في الدنيا أنه تقوم عليهم الحجة، فيعملون عقولهم ليستحضروا ما هم عليه من الضلال، وأن هؤلاء الذين يرجون شفاعتهم سوف ييئسونهم ويخذلونهم، وذلك تنبيه لهم في دار الدنيا على فساد هذه الطريقة.
وقوله: (الذين كنتم تزعمون) يعني: تزعمونهم شركاء من عند أنفسكم.


الصفحة التالية
Icon