تفسير قوله تعالى: (وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً)
ثم يقول تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأنعام: ٧٠].
قوله تعالى: (وذر الذين اتخذوا دينهم) أي: الدين الذي كلفوا أن يدخلوا فيه فلو قيل: كيف يقال: (دينهم) وهم لم يدخلوا في الدين أصلاً؟ وكيف نسب إلى الكفار الدين وهو الإسلام؟! فالجواب أن المقصود هو الدين الذي دعوا إليه، والذي كلفوا أن يدخلوا فيه، وليس المقصود بذلك أنهم أسلموا، لكن نسب إليهم لأنهم دعوا إليه وكلفوه.
وقوله: (وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً) حيث بخلوا به واستهزءوا به.
(وغرتهم الحياة الدنيا) أي: اطمأنوا بها، وزعموا أن لا حياة بعدها أبداً، وأن السعادة في لذاتها، فـ (ذرهم) يعني: أعرض عنهم ودعهم، ولا تبال بتكذيبهم، وأمهلهم قليلاً، فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم.
قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [الأنعام: ٧٠].
قوله تعالى: (وذكر به) أي: ذكر الناس بهذا القرآن.
وقوله: (أن تبسل نفس بما كسبت) أي: مخافة أن تبسل.
يعني: تسلم إلى الهلاك وترتهن بسوء كسبها وغرورها بإنكار الآخرة، يقال: أبسله لكذا أي: عرضه له ورهنه، أو أسلمه للهلكة.
وقوله: (ليس لها من دون الله ولي) يعني: ينصرها بالقوة (ولا شفيع) أي: يدفع عنها بالمسالمة (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) يعني: وإن تفدي كل نوع من أنواع الفداء بما يقابل العذاب لا يقبل منها؛ لبعدهم عن مقام الفداء، والعدل: الفدية؛ لأن الفادي يعدل المفدى بمثله (أولئك) يعني: أولئك الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً (الذين أبسلوا) يعني: سلموا للهلاك بحيث لا يعارضه شيء (بما كسبوا) يعني: بهذا الاغترار من إنكار الآخرة والانهماك في الشهوات المحرمة.
وقوله: (لهم شراب من حميم) أي: من ماء مغلي يتجرجر في بطونهم، وتتقطع به أمعائهم، فمعنى (حميم): الماء الذي انتهى غليه، (وعذاب أليم) أي: بنار تشتعل بأبدانهم (بما كانوا يكفرون) أي: بسبب كفرهم.


الصفحة التالية
Icon