تفسير قوله تعالى: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق)
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: ٦٢].
قوله تعالى: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) المقصود بمولاهم هنا: الذي يتولى أمورهم ويدبرها (الحق) أي: العدل الذي لا يحكم إلا بالحق، قال ابن كثير: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) الضمير للملائكة يعني: رد هؤلاء الملائكة إلى الله سبحانه وتعالى، أو (ردوا) أي: الخلائق المدلول عليهم بأحد.
يعني في قوله تعالى: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) ثم بعد ذلك يرد هؤلاء الناس المتوفون إلى الله مولاهم الحق.
فإما أنها تعود إلى الملائكة، وإما أنها تعود إلى آحاد الناس الذين تتوفاهم الملائكة، وهذا يعني أنهم يردون إلى الله سبحانه وتعالى بعد البعث فيحكم فيهم بعدله، ولذلك قال: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) أي: ليحاكموا ويحكم فيهم الله سبحانه وتعالى؛ لأنه قال: (ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الواقعة: ٤٩ - ٥٠]، وقال عز وجل: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٧ - ٤٩] فقوله: ((أَلا لَهُ الْحُكْمُ)) أي: يومئذ لا حكم فيه لغيره (وهو أسرع الحاكمين) أي: يحاكم الخلائق في أسرع زمان.
وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في هذا الموضع الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان رجلاً صالحاً قالوا: أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان.
فلا يزال يقال ذلك حتى تخرج) يعني أن هذا كله يقال للعبد الصالح في أثناء خروج روحه إلى أن يتم خروجها، يكرر عليه هذا النداء الطيب: (فلا يزال يقال ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقال: فلان فيقولون: مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أدخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان.
فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل -المقصود التي فوقها- وإذا كان رجل السوء قالوا: أخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، أخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج.
فلا يزال حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فسيفتتح لها فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان.
فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء.
فترمى من السماء ثم تصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثلما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثلما قيل في الحديث الأول) والأحاديث في هذا معروفة ومشهورة.