حكم أخذ الأجرة على التعليم وتبليغ الدعوة
قيل: إن الآية تدل على أنه يحل أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام، وللفقهاء في هذه المسألة كلام، فقوله تعالى: ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)) قال فيه بعض المفسرين: في هذه الآية إشارة إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلوم؛ لأن ذلك جرى مجرى تبليغ الرسالة.
وعلى كل الأحوال فالآية تدل على نفي سؤاله ﷺ منهم أجراً كي لا يشق عليهم الامتثال، أما استفادة الحل والتحريم من الآية ففيه خفاء، فالقائل بالإباحة يقول: المعنى: لا أسئلكم جعلاً تعففاً.
يعني: وإن حل لي أخذه فأنا أتعفف عن أخذه.
فيقول: إن الآية تدل على إباحة أخذ الجعل.
والقائل بالتحريم يستدل بالآية على تحريم أخذ الأجرة على التعليم، وقال في قوله تعالى: (لا أسألكم عليه أجراً) أي: لأنه حرم عليَّ ذلك.
قال ابن القيم: وأما الهدية للمفتي ففيها تفصيل: فإن كانت بغير سبب الفتوى، كمن عادته أنه يهاديه، أو مَنْ لا يَعرِفُ أنه مفتٍ فلا بأس بقبولها، والأولى أن يكافأ عليها، وإن كانت بسبب الفتوى فإن كانت سبباً إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له لم يجز له قبول هديته؛ لأنها تجزل المعاوضة عن الإفتاء.
وأما أخذ الرزق من بيت المال فإن كان محتاجاً إليه جاز له ذلك، وإن كان غنياً عنه ففيه وجهان.
فطلب الأجرة لا يجوز؛ لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا يجوز المعاوضة عليه، كما لو قال: لا أعلمك الإسلام والوضوء والصلاة إلا بأجرة.
أو سئل عن حلال وحرام فقال للسائل: لا أجيبك عنه إلا بأجرة.
فهذا حرام قطعاً، ويلزمه رد العوض، ولا يملكه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به).
وقال أيضاً: (من قرأ القرآن فليسأل الله تبارك وتعالى به، فإنه سيجيء قوم يقرءون القرآن يسألون الناس به).
وعن أبي بن كعب قال: (علمت رجلاً القرآن فأهدى لي قوساً، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال لي: إن أخذتها أخذت قوساً من نار).
وهناك أحاديث أخر، وبها استدل على حظر أخذ الأجرة على التعليم، وأما أخذ الأجرة على التلاوة ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في قصة اللديغ قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله، اقتسموا، واضربوا لي معكم سهماً)، وكان هذا الأجر على الرقية.
والشوكاني يقول: قوله: (أحق ما أخذتم عليه أجراً) عام يصدق على التلاوة في الرقية أو التعليم، وأخذ الأجرة على التلاوة لمن طلب من القارئ ذلك، وأخذ الأجرة على الرقية، وأخذ ما يدفع إلى القارئ من العطاء لأجل كونه قارئاً، ونحو ذلك، فيخص من هذا العموم تعليم المكلف، ويبقى ما عداه داخلاً تحت العموم.
والموضوع كبير، وفيه اختلاف كبير بين العلماء، وليست غايتنا أن نحقق هذه المسألة، ولها موضع آخر في أحكام الإجارة.


الصفحة التالية
Icon