تفسير قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)
ثم بين لطفه سبحانه وتعالى في حكمه وعدله يوم القيامة، فقال عز وجل: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٦٠].
قوله: (من جاء بالحسنة) يعني: من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة، (فله عشر أمثالها) يعني: عشر حسنات أمثالها في الحسن.
قال المهايمي: كمن أهدى إلى سلطان عنقود عنب، يعطيه بما يليق بسلطنته لا قيمة العنقود، والعشر أقل ما وعد من الأضعاف، وقد جاء الوعد بالسبعين، وبسبعمائة، وبغير حساب، ولذلك قيل: المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر في العدد الخاص؛ لأن المضاعفة أقلها عشر، الحسنة بعشر أمثالها، لكن هذا لا يمنع المضاعفة بأكثر من ذلك، أو أريد بعشر أمثالها مطلق الكثرة وليس عدد العشر بالذات؛ لأن من الأعمال ما يضاعف إلى سبعين، ومنها ما يضاعف إلى سبعمائة، ومنها ما يضاعف بغير حساب بلا حدود.
قوله: (ومن جاء بالسيئة) أي: بالأعمال السيئة، (فلا يجزى إلا مثلها) أي: في القبح.
قال المهايمي: فمن كفر خلد في النار، فإنه ليس أقبح من كفره، كمن أساء إلى سلطان يقصد قتله، ومن فعل معصية عذب بقدرها، كمن أساء إلى آحاد الرعية.
أي: لأن الشرك إساءة إلى الله سبحانه وتعالى، بخلاف الإساءة للخلق فهذه تكون معصية، لكن الإساءة إلى الله سبحانه وتعالى بالشرك بأنواعه ليست كغيرها من المعاصي.
والأحاديث كثيرة في معنى هذه الآية، منها قوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تعالى: (إن ربكم تبارك وتعالى رحيم، من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر، إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله عنه، ولا يهلك على الله إلا هالك)، أي: لا يهلك على الله إلا إنسان موغل في الإجرام؛ بحيث يستحق أن يهلكه الله؛ لأن هذا الإنسان الذي يهلك معناه: أن آحاده غلبت عشراته، أي: آحاد المعاصي عنده غلبت عشرات الحسنات، فالحسنات تضاعف إلى عشر أمثالها أو إلى سبعمائة ضعف أو إلى ما شاء الله، فإن كان له حسنات وضوعفت هذه المضاعفة فإنه يتوقع أن تكون كثيرة، ثم السيئات إما أن يعفو الله سبحانه وتعالى عنها، وإما أن يعطيه السيئة بمثلها آحاداً، لكن هذا إنسان غلبت آحاده مئاته، فكل هذه الأضعاف غلبتها آحاد السيئات، ومعنى هذا أنه هالك عن جدارة وعن استحقاق، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ولن يهلك على الله إلا هالك).
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر، من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة).
وروى الشيخان عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: (يقول الله تعالى: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة) هذا لفظ البخاري، ولذلك جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: (من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله)، يعني أن اليوم يساوي عشرة أيام.


الصفحة التالية
Icon