تفسير قوله تعالى: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)
قال تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦].
((الذين أرسل إليهم)) المرسَل إليهم وهم الأمم، يسألهم عما أجابوا به رسلهم، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥].
((ولنسألن المرسلين)) عما أجيبوا به، كما قال سبحانه: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩]، والمراد ب
Q توبيخ الكفرة وتقريعهم.
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦]، لم يبين هنا الشيء المسئول عنه المرسلون ولا الشيء المسئول عنه الذين أرسل إليهم؟ وبين في مواضع أخر أنه يسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، ويسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم، قال في الأول: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩]؟ وقال في الثاني: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥]، وبين في موضع أخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعملون يقول عز وجل: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢ - ٩٣].
وهنا إشكال معروف وهو أنه تعالى قال هنا: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦] وقال أيضاً: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٩٢] وقال: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصافات: ٢٤]، وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة، مع أنه قال: ﴿وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨]، وقال: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩].
فهذه من الآيات الكريمة التي توهم الاضطراب في ظاهرها، فما الجواب عن هذا؟ يقول: اعلم أولاً أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة، أخف من السؤال المثبت فيها، فالسؤال المنفي السؤال عن الذنب: ((ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون)) ((فيومئذ لا يسأل عن ذنبه أنس ولا جان)) فيتضح من ذلك أن سؤال الرسل ليس عن ذنب فعلوه، فلا مانع من وقوعه، وكذلك الموءودة فإنها كانت مظلومة، فستسأل لكن لا عن ذنب والمنفي إنما هو خصوص السؤال عن ذنب، مع أنه ورد في أدلة عامة عن السؤال؛ لكن لا عن الذنوب.
ويزيد ذلك إيضاحاً قوله تعالى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٨]، وبعد سؤاله لعيسى المذكور في قوله: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦]، قال سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: ١١٩].
والسؤال عن الذنوب المنفي في الآيات المراد به: سؤال الاستخبار والاستعلام، لأن علمه جل وعلا محيط بكل شيء، ولا ينافي نفي هذا النوع من السؤال ثبوت نوع آخر منه، وهو سؤال التوبيخ والتقريع؛ لأنه نوع من أنواع العذاب، ويدل لهذا أن سؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع، كقوله: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ [الصافات: ٢٤ - ٢٥] فهذا سؤال المقصود به: التوبيخ، والتقريع، والتبكيت، والإيلام، والإهانة: ﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ ومثله أيضاً قوله تعالى: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ [الطور: ١٥] فهذا سؤال مقصود به التوبيخ والتقريع إلى غير ذلك من الآيات.


الصفحة التالية
Icon